للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُمَا سَمَاعٌ فَاشٍ يُعْرَفُ بِهِ حُسْنُ حَالِهِمَا وَرَأْيُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، وَإِصْلَاحُهُمَا بِمَالِهِمَا. وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ إلَّا شَهَادَةُ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، وَمَنْ يُرَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَبِهِ كَانَتْ تَعْمَلُ قُضَاتُنَا بِالْمَدِينَةِ.

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَقَالَ لِي أَصَبْغُ تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ الْأَبَاعِدِ، إذَا لَمْ يَقُمْ الْأَقَارِبُ وَيُنْكِرُوا شَهَادَةَ الْأَبَاعِدِ.

فَرْعٌ: قَالَ أَصَبْغُ: وَإِنْ عَجَزَ السَّفِيهُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَهِيدِينَ، لَمْ أَرَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ.

وَفِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ، أَنَّ شُهُودَ التَّرْشِيدِ تَجِبُ فِيهِمْ الْكَثْرَةُ، وَأَقَلُّهُمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَرْبَعَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي التَّسْفِيهِ وَفِي الِاسْتِرْعَاءَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي التَّرْشِيدِ وَالسَّفَهِ لَا تُقْبَلُ مُجْمَلَةً وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً.

[فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ]

وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ عَنْ مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ، قَالَ وَلِقَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي النَّقْلِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهُمَا: فِي شَهَادَةِ التَّعْدِيلِ.

الثَّانِي: فِي الْمُخَالَطَةِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّعْدِيلِ.

الثَّالِثُ: فِي الْوَصْفِ الْكَافِي فِي التَّعْدِيلِ. فَأَمَّا شَاهِدُ التَّعْدِيلِ، فَالْمُبَرِّزُ النَّاقِدُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عَقْلِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شُرُوطُ التَّعْدِيلِ، وَلَا تُقْبَلُ التَّزْكِيَةُ مِنْ الْأَبْلَهِ وَالْجَاهِلِ بِوَجْهِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَدْلًا مَقْبُولًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ مَنْ يَرَى تَعْدِيلَ كُلِّ مُسْلِمٍ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْمُخَالَطَةُ الْمُبِيحَةُ لِلتَّعْدِيلِ فَأَنْ يَتَكَرَّرَ اخْتِبَارُهُ لَهُ، وَتَطُولَ مُخَالَطَتُهُ إيَّاهُ، وَلَا يَقْنَعُ فِي ذَلِكَ بِالْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، وَذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إلَّا مَعَ الْمُطَاوَلَةِ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ تَزْيِينَ الظَّوَاهِرِ وَكِتْمَانَ الْعُيُوبِ، وَمَعْنَى مَعْرِفَةِ بَاطِنِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْغَائِبَ مِنْ بَاطِنِهِ الَّذِي يَصِحُّ لَهُ بِهِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ الْغَيْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>