يَكُونَ حَبْسُهُ دَاعِيًا إلَى انْقِطَاعِ خَبَرِهِ عَنْ سَيِّدِهِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كَانَ مَنْ يَعْرِفُهُ.
الثَّالِثُ: حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: حَبْسُ تَضْيِيقٍ وَتَنْكِيلٍ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَائِهِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ، وَنَصُّوا عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالضَّرْبِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، وَالظَّالِمُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ شَرْعًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، وَالْعُقُوبَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْحَبْسِ بَلْ هِيَ فِي الضَّرْبِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْحَبْسِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَحْبِسُ وَالِدَهُ فِي دَيْنِهِ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِدَيْنٍ أَوْ بِتَجْرٍ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَطِبَ وَلَا سَرَقَ وَلَا نَكَبَ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، فِي الْجَمِيعِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ فِي الْحَبْسِ، أَوْ يَتَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مَعَهُ فَيُطْلِقُهُ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ، وَبِذَلِكَ كَانَ سَحْنُونٌ يَفْعَلُ وَهَذَا لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنَّهُ غَيَّبَ الْمَالَ.
مَسْأَلَةٌ: وَيُحْبَسُ الْوَصِيُّ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْأَيْتَامِ، إذَا كَانَ لَهُمْ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ وَكَذَلِكَ الْأَبُ، وَيُحْبَسُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَاللَّدُّ لِأَبَوَيْهِ وَلَا يُحْبَسَانِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُمَا الْإِمَامُ بِالْقَضَاءِ وَيَحُثُّهُمَا وَيَجْتَهِدُ فِي إلْزَامِهِمَا بِهِ لِئَلَّا يَظْلِمَهُ لَهُمَا، وَيُحْبَسُ السَّيِّدُ فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ، وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْعَبِيدِ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا ثَبَتَ عُدْمُ الْغَرِيمِ وَانْقَضَى أَمَدُ سَجْنِهِ فَلَا يُطْلِقُهُ، حَتَّى يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ، وَلَئِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ إلَيْهِ حَقَّهُ.
وَفَائِدَةُ زِيَادَتِهِ فِي الْيَمِينِ، وَلَئِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ أَنَّهُ لَوْ قَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَى عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَسُئِلَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَفَادَ مَالًا وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، سُئِلَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ مَا أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ تَعْنِيتِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِالْيَمِينِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَفَادَ مَالًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute