مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا كَانَ مَلِيًّا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِإِنْصَافِ غَرِيمِهِ، فَإِنْ لَدَّ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ قَضَى مِنْهُ وَإِلَّا سُجِنَ، فَإِنْ قَضَى وَإِلَّا ضُرِبَ حَتَّى يَقْضِيَ.
فَرْعٌ: فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَكِنْ بِمَضَرَّةٍ فَإِنْظَارُهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ وَبَاعَهُ فِي الْحَالِ قَضَى مِنْهُ، وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، كَجَارِيَتِهِ وَعَبْدِ التَّاجِرِ وَمَرْكُوبِهِ، وَمَا يُدْرِكُهُ فِي بَيْعِهِ مَضَرَّةٌ أَوْ مَعَرَّةٌ لَمْ يُؤْخَذْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ الْقَضَاءُ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ: وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ حَالٌّ، وَلِلْغَرِيمِ سِلْعَةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِسُرْعَةٍ، فَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ تُبَاعَ، وَطَلَبَ الْمِدْيَانُ أَنْ لَا يُفَوِّتَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضَعَ السِّلْعَةَ رَهْنًا، وَيُؤَجَّلَ أَيَّامًا يَنْظُرَ فِيهَا فِي الدَّيْنِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ تُجْعَلَ السِّلْعَةُ رَهْنًا، وَيُؤَجَّلَ فِي إحْضَارِ الْمَالِ بِقَدْرِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا جَرَى الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الرِّوَايَاتُ مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ عَرَضَ رُبْعَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِبَخْسٍ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَدْعُو الْحَاكِمُ إلَى رُبْعِهِ وَيَسْتَقْصِي فِيهِ الثَّمَنَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ بِالْخِيَارِ رَجَاءَ أَنْ يُزَادَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ زِيَادَةٌ بَاعَهُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ.
فَرْعٌ: فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْأُصُولِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا أَعْذَرَ الْحَاكِمُ إلَى الطَّالِبِ فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْأُصُولِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا وَطَلَبَ وَاجِبَ الشَّرْعِ وَادَّعَى مَدْفَعًا وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ، أَحْلَفَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ أَنَّهُ مَا يَمْلِكُ الرُّبْعَ، ثُمَّ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا بِحَسَبِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَبِيعُ فِي مِثْلِهِ، قَالَ ابْنُ زَرْبٍ وَغَيْرُهُ يُؤَجَّلُ نَحْوَ شَهْرَيْنِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَلْزَمُهُ حَمِيلٌ بِالْوَجْهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: حَبْسُ تَعْزِيرٍ وَتَأْدِيبٍ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ أَنَّهُ خَبَّأَ مَالًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَيُطَالُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ أَوْ يَثْبُتَ عَدَمُهُ فَيَحْلِفَ وَيُخَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute