قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْوَقْفِ مَا مُلَخَّصُهُ: إنَّ الْحُكْمَ إذَا تَقَرَّرَ بِالصِّحَّةِ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْحُكْمِ، فَمِنْ شَرْطِ هَذَا الْحُكْمِ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحِيَازَتُهُ وَأَهْلِيَّتُهُ وَصِحَّةُ صِيغَتِهِ فِي مَذْهَبِ الْقَاضِي، يُرِيدُ إنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي مَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ كَلَفْظِ " سَاقَيْتُك " فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَالْحَوَالَةِ، وَالصِّيغَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةِ، وَالصِّيغَةُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَالْوَكَالَةِ وَالْحَبْسِ وَالْقِرَاضِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقِرَاضُ لَا يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِلَفْظِ الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ، فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَمَا أَشْبَهَهَا تُعْتَبَرُ صِحَّةُ الصِّيغَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِذَا وَقَعَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَصَرَّحَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ أَعْنِي مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ أَعْنِي بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَقْفًا كَانَ أَوْ بَيْعًا فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ، إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَرِيبًا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي، وَكَمْ يَتَبَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِهَذَا اللَّفْظِ أَعْنِي الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةٍ تُبَيِّنُ عَدَمَ الْمِلْكِ أَوْ شَرْطٌ آخَرُ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَصَدَهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ نَقَضَهُ ذَلِكَ الْقَاضِي نَفْسُهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ الَّذِي ظَهَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَحَلُّ الْحُكْمِ لَا فِي الْحُكْمِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي التَّسْجِيلِ، لِيُسَجِّلَ بِثُبُوتِهِ وَصِحَّتِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَثِيرًا مَا تُكْتَبُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي التَّسْجِيلَاتِ فَيُحْتَمَلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الثُّبُوتِ فَيُرَاجَعُ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَإِنْ عَسُرَتْ الْمُرَاجَعَةُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَارَفِ وَمَعْنَى صِحَّتِهِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ تَتَرَتَّبُ آثَارُهُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى حُكْمِ الْقَاضِي بِذَلِكَ إلْزَامُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَإِذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ نَفَذَ وَصَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذَا الْحُكْمِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، وَالْحِيَازَةُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَكُلَّمَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَعَرَفَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ ارْتَفَعَ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَهِيَ صِحَّةٌ مُطْلَقَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْعِ الْخِلَافِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِهَذَا الْفَسَادُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ لِيُسَجِّلَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ، وَهَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَعَارَفَةِ الَّتِي غَلَبَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute