وَصِحَّةُ الْبَيْعِ، وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ اسْتِفْسَارُ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النِّكَاحِ خَاصَّةً، فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ الْمُدَّعِي شُرُوطَ الصِّحَّةِ فَيَقُولَ عَقَدْت النِّكَاحَ بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ تَرْكَ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُهُ. قَالَ: وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ اسْتِقْصَاءُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كُلِّهَا فِي النِّكَاحِ كَكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ فِي عِدَّةٍ وَلَا فِي إحْرَامٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، وَوَافَقَنَا فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ أَوْ الدُّيُونِ فِي الذِّمَمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الِاسْتِفْسَارُ فِيهَا، قَالَ: وَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ عُرُوِّ الْعَقْدِ مِمَّا يُفْسِدُهُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي عِدَّةٍ وَلَا فِي إحْرَامٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لَوْ ثَبَتَ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا ذِكْرُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَلَا ذِكْرُ اجْتِنَابِ شُرُوطِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ أَصْلُهَا الصِّحَّةُ حَتَّى يَثْبُتَ الْفَسَادُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، فَيَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ، وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ، فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ هَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ رَجَعْت عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ. وَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إذَا رَجَعَ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْأَمْرُ فِي دَعْوَى إنْسَانٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ وَعَدَهُ بِشِرَاءٍ يُعْطِيهِ إيَّاهُ عَلَى الْقَوْلِ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَاعِدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِوَعْدِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا الَّتِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي يَرَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ حَتَّى يُضِيفَ إلَيْهِ مَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ فِي الْهِبَةِ: يَلْزَمُك تَسْلِيمُهَا إلَيَّ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْقَوْلِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيُضِيفُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْفَسْخُ بَعْدَ الْعَقْدِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى الْبِنَاءِ أَنَّ الْإِنْكَارَ لِأَصْلِ الشَّيْءِ لَا يَحِلُّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَعَلَى أَنَّ مَا فِيهِ الْخِيَارَ بَيْنَ إمْضَائِهِ أَوْ رَدِّهِ مَحْلُولٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِرَفْعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ، فَإِذَا بُنِيَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا اتَّجَهَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute