أَوْ لَمْ يَسْكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهِ فَحَسْبُهُ أَنْ يُقَيَّدَ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ لَا الْحُكْمِ بِتَخْلِيدِهِ، مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَائِبٍ فِي مَالِهِ حَقًّا أَوْ فِي دَارِهِ أَوْ فِي أَرْضِهِ وَغَيْبَتُهُ بَعِيدَةٌ مُنْقَطِعَةٌ فَلَا يُوَكِّلُ الْحَاكِمُ وَكِيلًا يَقُومُ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ إنْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي حَقٌّ عَلَى الْغَائِبِ وَرَأَى وَجْهَ حُكْمٍ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحُكْمِ غَيْبَتَهُ وَأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى لَهُ حُجَّتَهُ فَإِذَا قَدِمَ وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَجَاءَ بِحُجَّتِهِ نَظَرَ الْقَاضِي لَهُ فِيهَا.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَالدَّعْوَى عَلَى الْحَاضِرِ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْحَقَّ وَجِنْسَهُ وَمِقْدَارَهُ، وَكَوْنُ الْبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِهِ وَيُفَصِّلُ الدَّعْوَى عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ فِي دَعْوَى الْحَاضِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا كَانَ الْغَائِبُ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ أَعْذَرَ إلَيْهِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَإِمَّا قَدِمَ وَإِلَّا وَكَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَ عَلَيْهِ أُصُولَهُ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُصُولِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا حَكَمَ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا الْأُصُولَ دُونَ إعْذَارٍ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُقِيمُ الْقَاضِي لِغَائِبٍ وَلَا لِطِفْلٍ مَنْ يَقُومُ بِحُجَّتِهِ، ابْنُ رُشْدٍ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الْغَيْبَةِ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا وَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ، قَالَ: وَعَلَى قَوْلِهِمَا فَيُوَكِّلُ مَنْ يَعْذُرُ إلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا بِبَيَانٍ، وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ مِنْ بَيِّنَةِ الْقَائِمِ وَيَشْهَدُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَا يَنْزِلُ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، أَيْ لَا يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَيُوقِعُ شَهَادَتَهُمْ فَإِذَا حَضَرَ عَرَّفَهُ بِهِمْ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ فِيهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَدْفَعٌ قَضَى عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ جِدًّا أَوْ مَفْقُودًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي الدُّورِ، وَهُوَ رَأْيٌ إلَّا فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ كَالْأَنْدَلُسِ أَوْ طَنْجَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute