للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. فَمَتَى وُجِدَتْ الْقَرَائِنُ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ عُمِلَ بِهَا. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: قِصَّةُ يُوسُفَ فِي قَدِّ الْقَمِيصِ، وَإِقَامَةِ ذَلِكَ مَقَامَ الشُّهُودِ. قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: هَذِهِ الْآيَةُ يَحْتَجُّ بِهَا الْعُلَمَاءُ مَنْ يَرَى الْحُكْمَ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ فِيمَا لَا تَحْضُرُهُ الْبَيِّنَاتُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: ١٨] قَالَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ: رُوِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ لَمَّا أَتَوْا بِقَمِيصِهِ إلَى أَبِيهِمْ، تَأَمَّلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ خَرْقًا وَلَا أَثَرَ نَابٍ، فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِمْ.

وَقَالَ لَهُمْ: مَتَى كَانَ الذِّئْبُ حَلِيمًا يَأْكُلُ يُوسُفَ وَلَا يَخْرِقُ قَمِيصَهُ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الدَّمَ عَلَامَةَ صِدْقِهِمْ، قَرَنَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ عَلَامَةً تُكَذِّبُهَا: وَهِيَ سَلَامَةُ الْقَمِيصِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ اسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ بِصِحَّةِ الْقَمِيصِ، فَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إعْمَالِ الْأَمَارَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَأَقَامُوهَا مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ أُمُورٌ وَرَدَتْ فِي غَيْرِ شَرْعِنَا فَلَا تَلْزَمُنَا، فَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ.

قَالَ تَعَالَى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: ٢٧٣] قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ كَبَاهْ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: ٢٧٣] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّيمَا، حَالٌ يَظْهَرُ عَلَى الشَّخْصِ، حَتَّى إذَا رَأَيْنَا مَيِّتًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ زُنَّارٌ وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ، فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقُمْت فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَاهَا اللَّهِ إذْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>