للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ. أَمَّا إنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَقِسْمٌ يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ. فَأَمَّا مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يَضُرُّ الشَّاهِدَ تَرْكُ إخْبَارِهِ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَتْرٌ سَتَرَهُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِهُذَالٍ فِي قَضِيَّةِ مَاعِزٍ هَلَّا سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ» وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَنْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ.

أَمَّا مَنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعُلِمَ أَنَّهُ مُشْتَهَرٌ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُعْلِمَ الْإِمَامَ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَكْتُمُونَهُ الشَّهَادَةَ، وَلَا يَشْهَدُوا فِي ذَلِكَ إلَّا فِي تَجْرِيحٍ إنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ. وَأَمَّا مَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَتَمَلُّكِ الْأَحْبَاسِ، وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ، وَيَقُومَ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِشَهَادَتِهِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ لَهُ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْقِيَامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَجْرِيحِ الشَّاهِدِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ بِالسُّكُوتِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُنْكَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالشَّهَادَةِ فَاخْتُلِفَ، هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ هُوَ الْقَائِمَ بِهَا، وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً هُمْ الْقَائِمُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ الشُّهُودُ.

تَنْبِيهٌ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: إذَا أَخَذَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ سَكْرَانًا فَسَجَنَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ هُوَ وَآخَرُ مَعَهُ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِسَجْنِهِ

وَلَوْ رَفَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ عَدْلًا مَعَ آخَرَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. أَمَّا إنْ قَامَ غَيْرُهُ بِالشَّهَادَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَكَانَ قِيَامُهُ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ فِيهَا عَوْنًا عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِالشَّهَادَةِ سِوَاهُ لِكَوْنِ غَيْرِهِ أَبَى أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِيهَا.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الْآخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ صَاحِبَ الْحَقِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ شَهَادَتَهُ تَبْطُلُ، وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>