للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَوِّي جِهَةَ الْمُدَّعِينَ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِينَ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَالَةُ، كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا.

وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ: وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ، وَقِيلَ يُقْسِمُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْقَوْمِ لَيْسُوا بِعُدُولٍ. فَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالْجَوَازِ اسْتَحَقَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الدَّمَ، قَالَ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا وَجَبَ بِمُجَرَّدِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ الْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبَدَانِ الَّتِي لَا تُسْتَحَقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْوَاحِدُ لَوْثٌ وَلَطْخٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى فِي إبَاحَةِ الْقَسَامَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الَّذِي فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ إلَّا رَجُلَانِ فَصَاعِدًا، وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلنِّسَاءِ، وَلَا حُكْمَ لِلْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَا نِصْفَ شَهَادَةٍ تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ، فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ.

وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعَدْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>