للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ مَنْ يَعْلَمُ قِدَمَ الْعَدَاوَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْرِفُ قِدَمَ الْعَدَاوَةِ، وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِيُقَيِّدَ لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا يَكُونُ عِنْدَهُ، فَنَظَرَ الْقَاضِي فِيمَا سَأَلَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا أَوْجَبَ لَهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَأَتَاهُ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا مُعَادِيًا لِفُلَانٍ مُذْ أَدْرَكُوا ذَلِكَ بِعُقُولِهِمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَطَالِبًا لِمَا يَضُرُّهُ، وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا، وَلَا يَعْلَمُونَهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ، وَذَلِكَ فِي تَارِيخِ كَذَا، فَنَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمْ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ.

وَفِي الطُّرَرِ: وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ إلَى مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ مِمَّا لَا خُصُومَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُصِبَ لِمَا فِيهِ الْخُصُومَاتُ.

فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ، وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَسْتَبِيعَ مِنْ ظَالِمٍ فَأَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لِتَطِيبَ بِذَلِكَ نَفْسُهُ، وَيَشْهَدُ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُقِرَّ، وَلَا يَسْتَبِيعَ مِنْ ذَلِكَ الظَّالِمِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ.

فَرْعٌ: وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ وَاسْتَجَارَ بِغَاصِبٍ أَوْ سَرَدَ عِنْدَهُ، فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُخْرِجَهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي امْتَنَعَ فِيهِ، فَإِنَّ إشْهَادَهُ يَنْفَعُهُ بِذَلِكَ.

فَرْعٌ: إذَا أَشْهَدَ فِي السِّرِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِأَجْلِ إنْكَارِهِ، وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَ بَيِّنَةً قَامَ بِهَا، فَالصُّلْحُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ، وَثَبَتَ الْحَقُّ وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَنْفَعُهُ مَا أَشْهَدَ بِهِ فِي السِّرِّ.

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ، إلَّا عَلَى مَنْ لَا يَنْتَصِفُ مِنْهُ كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَإِشْهَادُ السِّرِّ بَاطِلٌ.

فَرْعٌ: إنْ تَقَيَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُودَعْ شَهَادَتَهُ، يَعْنِي اسْتِرْعَاءً، وَمَتَى قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَكَثِيرُ مَا يُكْتَبُ عِنْدَنَا بِقَفِصَةٍ وَمُقْتَضَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِذَلِكَ، إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ سَقَطَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>