للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يُؤَدِّي تَعَاطِيهِ إلَى فِتْنَةٍ وَوُقُوعِ شَرٍّ لَا يُؤْمَنُ عَاقِبَتُهُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ أَنْ يَجْتَنِبَ سَمَاعَ الدَّعْوَى فِي حُكُومَاتِهِمْ الَّتِي يُقْضَى فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ وَابْنِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، لَا يُجِيزُونَ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعَ اتِّصَافِ الشَّاهِدِ بِالْعَدَالَةِ، فَالْمَنْعُ مَعَ الِاتِّصَافِ بِالْفِسْقِ أَحْرَى.

وَقَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَمَنْ صَحَّ نَظَرُهُ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَالْمَعْرِفَةِ بِاخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ، لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِالْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إلَّا مَعَ شَاهِدٍ مُبْرَزٍ فِي الْعَدَالَةِ وَالنَّبَاهَةِ.

وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ قُضَاةُ بَلَدِنَا مُنْذُ دَخَلَتْهُ الْعَرَبُ: أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ وَلَا يَقْضُونَ بِهِ، وَإِنِّي لَمُتَوَقِّفٌ عَنْ الِاخْتِيَارِ فِي هَذَا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ النَّاسِ وَقِلَّةِ الْمُرَاعَاةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَيُحْكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ حَسْبَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ الدَّعْوَى فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَوَارِثُهُ صَغِيرٌ، أَوْ دَعْوَى عَلَى غَائِبٍ يُبَاعُ لِأَجْلِهَا مَالُهُ وَعَقَارُهُ، وَيُسْتَحَقُّ مِلْكُهُ أَوْ إثْبَاتِ وَصِيَّةِ مَيِّتٍ أَوْ وَكَالَةٍ عَنْ غَائِبٍ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا أَشْبَهَهَا تَكْثِيرُ التُّهْمَةِ فِيهَا مَعَ كَثْرَةِ تَسَاهُلِهِمْ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ حَكَيْنَا عَنْ الْقَاضِي ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ حَلَّفَ شُهُودَ تَرِكَةٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالسِّيَاسَةِ، وَكَذَلِكَ شُهُودُ التَّزْكِيَةِ وَالتَّجْرِيحِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ شُهُودَهُمَا لَيْسُوا كَسَائِرِ الشُّهُودِ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ عَلَى الْخَطِّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ السَّبْعُ الْمَسَائِلُ الَّتِي اُشْتُرِطَ فِيهَا التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ، وَأَمَّا الْحُكُومَاتُ الَّتِي يُمْكِنُ فَصْلُهَا بِالْإِقْرَارِ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ أَوْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِالْحُكْمِ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ الدُّخُولُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ، وَقَدْ يَعْرِضُ هَذَا فِي زَمَنِ الْحَجِّ عِنْدَ سَفَرِ الْحُكَّامِ لِلْحَجِّ وَالْحُكُومَاتُ الَّتِي تُرْفَعُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: مَا يُقْصَدُ فِيهِ إنْشَاءُ حُكْمٍ مِثْلُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، وَتَقْدِيرُ النَّفَقَاتِ وَإِثْبَاتُ عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالرُّهُونِ وَالْوَكَالَاتِ وَالْأَحْبَاسِ، وَالشَّهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>