للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَثَرِ أَحْكَامِهِمْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَمَا قَضَوْا بِهِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَمَا خَلَفُوا مِنْ الْفَرَائِضِ عَنْ فَرَائِضِ الْجَمَاعَةِ، لَا أَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْصِمُ الْمَحْكُومَ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَدَبَّرَ وَيَنْظُرَ فِي حَقِّهِ وَبَاطِلِهِ، سَوَاءٌ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِجَوْرٍ فِي بِدْعَتِهِ أَوْ اجْتِهَادٍ فِيهَا، فَيَكُونُ النَّاظِرُ فِيهَا كَالْمُبْتَدِئِ لِمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَقِيمًا مَضَى، وَمَا كَانَ مِنْهُ جَوْرًا فَلَا يَمْضِي لَهُمْ، مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ افْتَرَقُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ كَانُوا عُدُولًا أَوْ مَجْرُوحِينَ.

تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ إذَا وَرَدَتْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا خَلَفُوهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ أُمَرَاؤُهُمْ مَقْهُورِينَ بِحُكَّامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِهِمْ، وَإِبْطَالِ مُكَاتَبَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ وَلَا مُحَاذَرَةِ فِتْنَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَرَى الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ حُكَّامِهِمْ بِالتَّسْجِيلِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ الْقَاضِي فِي أَعْلَى الْمَكْتُوبِ ثَبَتَ مَضْمُونُهُ عِنْدِي بِشَهَادَةِ مَنْ أَعْلَمْت تَحْتَ رَسْمِ شَهَادَتِهِمْ وَكَتَبَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خُطُوطِهِمْ وَإِحْيَاءِ الْمَكَاتِيبِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَمْضِي وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي إثْبَاتِ الْأَوْقَافِ، إذَا اُقْتُرِنَ بِذَلِكَ سَمَاعٌ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ لِيَكُونَ تَقْوِيَةً لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَنْفُذُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَلَى الْخَطِّ مِنْ أَهْلِ التَّبْرِيزِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْفَطِنَةِ وَالنَّبَاهَةِ وَصِحَّةِ التَّمْيِيزِ، وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ كَانَ عَدْلًا إلَى أَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ، وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ، إلَّا أَنْ يَخْشَى فِتْنَةً لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ أَحْرَى وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ، إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي لِذَلِكَ وَجْهًا مِنْ إحْيَاءِ وَقْفٍ وَشَبَهِهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>