مَنْ يَقْبَلُهُ، لَمْ يَصِحَّ الْعَمَلُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ: أَنَّ الْكِتَابَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى حُكْمٍ مَضَى فَيَجِبُ إنْفَاذُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ عَلَى مَرَاتِبِهِ إذْ ثَبَتَ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ قَوْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ، وَهَذَا إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا دَامَ وَالِيًا، فَإِذَا عُزِلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عَلَى حَالٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ إشْهَادٌ، وَفِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَيَجُوزُ عَمَلًا بِالشَّهَادَةِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتِهَا، لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ وَلَا يُجِيزُهُ مَنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ مَا فِي دِيوَانِي قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي، أَوْ قَالَ كُنْت حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ: وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الطَّلَبَةِ وَأَجَازُوا ذَلِكَ وَهُوَ غَلَطٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الْقَاعِدَةِ فِي ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا كَتَبَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِعَدَالَةِ شَاهِدٍ قَدْ شَهِدَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَتَامٌّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ أَوْ سَأَلَهُ عَنْهُ مُشَافَهَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ لِلْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ سَلْ عَنْهُ قَاضِيَ فُلَانَةَ، أَوْ اُكْتُبْ إلَى قَاضِي فُلَانَةَ فَاسْأَلْهُ عَنْهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَانَ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، إنْ كَانَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ فَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ السُّؤَالَ عَنْهُ مُشَافَهَةً، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكْفِي وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأُ السُّؤَالِ مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ، وَكَانَ الْقَاضِي الَّذِي عَدَّلَهُ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ بِعَدَالَتِهِ وَكَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَهُوَ بِمَقَامِ مُعَدِّلٍ وَاحِدٍ يُلْتَمَسُ آخَرُ فَيَتِمُّ تَعْدِيلُهُ أَوْ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَلَا يَتِمُّ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يَبْتَدِئُهُ الْقَاضِي عَلَى الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْبَاطِنِ مِنْ عَدَالَةٍ، أَوْ جُرْحَةٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ شَيْءٍ، يَلْتَمِسُ الْقَاضِي مَعْرِفَتَهُ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَبْتَدِئُ الْقَاضِي السُّؤَالَ عَنْهُ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، اكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَوْ أَمِينِهِ وَرَسُولُهُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ اُنْظُرْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يُعْلِمُهُ بِعَدَالَتِهِ، وَلَيْسَ الشَّاهِدُ مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَهُوَ بِمَقَامِ مُعَدَّلٍ يُلْتَمَسُ مَعَهُ آخَرُ، وَانْظُرْ كَيْفَ أَجَازَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ بِكِتَابٍ دُونَ الْمُشَافَهَةِ وَدُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute