الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ الْأَحْكَامَ بِحِكَمٍ، مِنْهَا مَا أَدْرَكْنَاهُ وَمِنْهَا مَا خَفِيَ عَلَيْنَا رَعْيًا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَدَرْءًا لِمَفَاسِدِهِمْ، تَفَضُّلًا لَا وَاجِبًا وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: شُرِعَ لِكَسْرِ النَّفْسِ، كَالْعِبَادَاتِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: شُرِعَ لِجَلْبِ بَقَاءِ الْإِنْسَانِ كَالْإِذْنِ فِي الْمُبَاحَاتِ الْمُحَصَّلَةِ لِلرَّاحَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْوَطْءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرُورَاتِ، كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاتِ لِافْتِقَارِ الْإِنْسَانِ، إلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى اسْتِخْدَامِ غَيْرِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: شُرِعَ تَنْبِيهًا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، كَالْحَضِّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَعِتْقِ الرِّقَابِ وَالْهِبَاتِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ الْمَقْصُودُ شُرِعَ لِلسِّيَاسَةِ وَالزَّجْرِ وَهُوَ سِتَّةُ أَصْنَافٍ: الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: شُرِعَ لِصِيَانَةِ الْوُجُودِ، كَالْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩] . مَعْنَاهُ أَنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي كَتَبْته عَلَيْكُمْ إذَا أُقِيمَ ازْدَجَرَ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ، قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ وَإِبَانَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً وَنَكَالًا وَعِظَةً لِأَهْلِ الْجَهْلِ، فَكَمْ رَجُلٍ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا، وَلَكِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute