الْجِرَارُ وَذَهَبَ الدُّهْنُ صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَغُرَّ بِفِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِحَبْلٍ رَثٍّ، أَوْ يَمْشِي بِهَا فِي مَوْضِعٍ تَعْثُرُ الدَّابَّةُ فِيهِ فَيَضْمَنُ، فَإِنْ غَرَّ بِقَوْلِهِ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمُكْتَرِي هُوَ الَّذِي تَوَلَّى الرَّبْطَ.
وَقَالَ لَهُ الْمُكْرِي: ارْبِطْ بِهَذَا الْحَبْلَ أَوْ سِرْ فِي هَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ أَخْرَقَ فِي سَوْقِ دَابَّتِهِ حَتَّى زَاحَمَتْ أَوْ عُرِفَ أَنَّ دَابَّتَهُ رُبُوضٌ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا فَلَا.
فَصْلٌ فِي ضَمَانِ الْفَرَّانِ
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْفَرَّانُ فِي ضَمَانِ مَا سَرَقَ مِنْ الْخُبْزِ وَالْغَزْلِ وَكُلَّمَا اسْتَنْزَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّنَّاعِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا احْتَرَقَ مِنْ الْخُبْزِ وَالْغَزْلِ، إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ خُبْزُهُ أَوْ غَزْلُهُ؛ لِأَنَّ احْتِرَاقَهُ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ غَلَبَةِ النَّارِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ عَلَى سَرِقَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، قَالَ: وَإِذَا كَانَ احْتِرَاقُ الْخُبْزِ أَوْ الْغَزْلِ بِتَضْيِيعٍ مِنْهُ أَوْ عُنْفٍ كَانَ مِنْهُ فِي إيقَادِ النَّارِ لِلْفُرْنِ فَهُوَ ضَامِنٌ.
فَرْعٌ: وَلَا يَضْمَنُ مَا سُرِقَ مِنْ الصِّحَافِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ مُزَايَلَةِ الْأَقْرَاصِ فِيهَا، وَلَيْسَتْ كَالْمِنْدِيلِ الَّذِي يَأْتِي الرَّجُلُ فِيهِ بِالثَّوْبِ إلَى الْخَيَّاطِ فَيَسْتَعْمِلُهُ، فَيَدَّعِي الْخَيَّاطُ أَنَّهُ تَلِفَ وَمَا هُوَ مَلْفُوفٌ فِي الْمِنْدِيلِ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِلثَّوْبِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْمِنْدِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ ضَاعَ بِالثَّوْبِ وَهُوَ مَلْفُوفٌ فِيهِ أَوْ ضَاعَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ عَنْهُ الثَّوْبُ، لِأَنَّ الثَّوْبَ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا فِيهِ فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَيْهِ كَاضْطِرَارِ الْأَقْرَاصِ إلَى الصِّحَافِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ وِقَايَةً لِثَوْبِهِ فَهُوَ كَالْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَرَّانُ يُؤْتِي بِالْعَجِينِ فِي الصِّحَافِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يُقَرِّصُهُ، فَيَكُونُ ضَمَّنَا الصِّحَافَ عَلَيْهِ كَيْفَمَا ضَاعَتْ بِالْعَجِينِ أَوْ بِغَيْرِ الْعَجِينِ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ الْفَرَّانُ النَّاسَ عَنْ فُرْنِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَازْدِحَامِهِمْ، ضَمِنَ كَيْفَ ضَاعَتْ بِالْأَقْرَاصِ أَوْ بَعْدَ مُزَايَلَةِ الْأَقْرَاصِ عَنْهَا، وَضَمِنَ الْأَقْرَاصَ أَيْضًا إنْ ضَاعَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْفَرَّانُ إذَا أَخْرَجَ النَّاسُ عَنْ فُرْنِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَازْدِحَامِهِمْ، فَتَضْمِينُهُ الصِّحَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute