وَغَالِبُ مُسْتَعْمِلِي الدُّخَانِ لَا يَحْفَظُ بِهِ صِحَّةً حَاصِلَةً وَلَا يَجْلِبُ بِهِ صِحَّةً زَائِلَةً بَلْ لِلتَّلَذُّذِ وَالتَّفَكُّهِ وَهَذِهِ أَمَارَةُ الْإِسْطَالِ بِلَا إشْكَالٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِعْمَالِهِ إلَّا تَسْوِيدُ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَكَرَاهَةُ الرِّيحِ وَالْأَنْتَانِ لَكَانَ زَاجِرًا لِلْعَاقِلِ عَنْهُ خُصُوصًا مَعَ ذَهَابِهِ بِذَلِكَ الْخَبَثِ إلَّا الْمَحَافِلَ وَالْجَمَاعَةَ لِلصَّلَوَاتِ.
وَتَأَمَّلْ يَا أَخِي شَارِبِيهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَأُنُوفِهِمْ كَأَهْلِ النَّارِ وَمَنْ يَهْلِكُونَ آخِرَ الزَّمَانِ مِنْ الْأَشْرَارِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دُخَانٌ يَمْلَأُ الْأَرْضَ يُقِيمُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ مِنْهُ مِثْلُ الزُّكَامِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَبَاقِي مَنَافِذِهِ حَتَّى يَصِيرَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ كَعِجْلٍ حَنِيذٍ أَيْ مَشْوِيٍّ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِأَهْلِ النَّارِ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِ عَذَابٍ وَلَا مَا هُوَ مِنْ مَلَابِسِ أَهْلِ الْعَذَابِ كَخَاتَمٍ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ فَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ» وَكَالِاسْتِتَارِ فِي الصَّلَاةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ وَكَالزُّنَّارِ وَالْغِيَارِ وَالصَّلَاةِ إلَى النَّارِ وَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّعَامَ الْحَارَّ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَمْ يُطْعِمْنَا نَارًا»
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا إحْيَاءُ سُنَّةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَخْرَجُوهُ مِنْ أَرْضِهِمْ لِأَرْضِ الْإِسْلَامِ لِلْإِضْرَارِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مُخَالِطِي الْإِنْكِلِيزَ أَنَّهُمْ مَا جَلَبُوهُ لِبِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ إجْمَاعِ أَطِبَّائِهِمْ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَأَمْرِهِمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ لِتَشْرِيحِهِمْ رَجُلًا مَاتَ بِاحْتِرَاقِ كَبِدِهِ وَهُوَ مُلَازِمُهُ فَوَجَدُوهُ سَارِيًا فِي عُرُوقِهِ وَعَصَبِهِ وَمُسَوِّدًا مُخَّ عِظَامِهِ وَقَلْبُهُ مِثْلُ سَفِنْجَةٍ يَابِسَةٍ وَفِيهِ ثُقَبٌ مُخْتَلِفَةٌ صُغْرَى وَكُبْرَى وَكَبِدُهُ مَشْوِيَّةٌ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ مُدَاوَمَتِهِ وَأَمَرُوهُمْ بِبَيْعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِإِضْرَارِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا هَذَا لَكَانَ بَاعِثًا لِلْعَاقِلِ عَلَى اجْتِنَابِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَانَ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ أَوْ حَاكَ فِي النَّفْسِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الدُّخَانِ مِمَّا أَرَابَ وَأَوْقَعَ الِاضْطِرَابَ وَلَوْ سُئِلَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ قَالُوا السَّفَهُ الْمُوجِبُ لِلْحَجْرِ تَبْذِيرُ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ عَنْ مُلَازِمِ اسْتِعْمَالِ الدُّخَانِ لَمَا تَوَقَّفُوا فِي وُجُوبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَسَفَهِهِ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى مَا تَرَتَّبَ عَلَى إضَاعَةِ الْأَمْوَالِ فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَحِرْمَانِهِمْ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَفْسَدَهُ الدُّخَانُ عَلَى الْمُتَرَفِّهِينَ بِهِ وَسَمَاحَةِ أَنْفُسِهِمْ بِدَفْعِهَا لِلْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَمَنْعِهَا مِنْ الْإِعَانَةِ بِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَسَدِّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَلَا يَرْتَابُ فِيمَا قَرَّرْنَاهُ ذُو دِينٍ وَلَا صَاحِبُ صِدْقٍ مَتِينٍ فَخُذْ مَا آتَيْتُك وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ وَسَنَلْتَقِي مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute