مَنْ خَالَفَنَا يَوْمَ الدِّينِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَتَظْهَرُ الْمُخَبَّآتُ لِلْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ وَتَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ التَّجْرَ فِيهِ مَقْرُونٌ بِالْخَسَارَةِ وَمِمَّا جَرَّبَهُ أَهْلُهُ أَنَّ شَارِبَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْكَدَرِ وَالْحُزْنِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَأَخَذَا لَهُمْ بِنَفْسِهِ مَا دَامَ أَثَرُهُ مَعَهُ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْجُبْنَ وَالْخَوْرَ وَالنِّسْيَانَ.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ خَالِدٌ الْمُدَرِّسُ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَشَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْحِجَازِيَّةِ عَنْ شُرْبِ الدُّخَانِ.
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اسْتِعْمَالُ الدُّخَانِ حَرَامٌ كَأَصْلِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَالنَّارِ لِأَنَّهُ أَجْزَاءُ الْخَشَبِ وَهِيَ مَمْزُوجَةٌ بِأَجْزَاءٍ مِنْ النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ أَجْزَاؤُهُ لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ النَّارِ وَيَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعُهُ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جَعَلَهُ عَذَابًا وَمَا يُعَذَّبُ بِهِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِإِذَايَتِهِ قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: ٩٨] .
وَاَلَّذِي كَشَفَهُ عَنْهُمْ دُخَانٌ وَقَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ - يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: ١٠ - ١١] عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى الْفِرَارِ مِنْ مَحَلِّ الْعَذَابِ كَبَطْنِ مُحَسِّرٍ فَالْفِرَارُ مِنْ الْعَذَابِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ قَدْ شُوهِدَ فِي الْقَصَبَةِ الَّتِي يُشْرَبُ بِهَا انْسِدَادُهَا بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ النَّتْنِ كَالْعِلْكِ فَكَذَلِكَ يَسُدُّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ الَّتِي هِيَ مَزَارِيبُ الْبَدَنِ فَيَتَعَطَّلُ وُصُولُ الْغِذَاءِ مِنْهَا إلَى أَعْمَاقِ الْبَدَنِ فَيَمُوتُ مُسْتَعْمِلُهُ فَجْأَةً وَقَدْ شُوهِدَ ذَلِكَ مِرَارًا وَلِأَنَّهُ يَحْرُقُ الرُّطُوبَةَ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ أَيْضًا لَا يُقَالُ هَذَا فِي غَيْرِ الْبَلْغَمِيِّ أَمَّا هُوَ فَيَنْتَفِعُ بِتَخْفِيفِ الرُّطُوبَةِ لِأَنَّا نَقُولُ حَدُّ الْقَدْرِ الْمُنْتَفَعُ بِهِ مَجْهُولٌ فَقَدْ يَزِيدُ الْمُسْتَعْمِلُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ لَا يُقَالُ هَذَا شَكٌّ فِي مَانِعٍ وَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَانِعٌ لَا يَتَحَقَّقُ ضَرَرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ نَفْعُهُ لَهُ وَوَقْتُهُ وَقَدْرُهُ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ دَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الدَّوَاءِ بَعْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ لِأَخْذِهِ مِنْ الْبَدَنِ حِينَئِذٍ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ نَهْيُ النَّاسِ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ يُعَزَّرُ بِحَسَبِ حَالِهِ لِعِصْيَانِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْفَتْوَى بِجَوَازِهِ فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِفْطَارُهُ الصَّائِمَ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَ إفْطَارِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَبَيْنَ حُرْمَتِهِ وَعَدَمِهَا تَلَازُمٌ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ كَتَبَهُ خَالِدٌ الْمَالِكِيُّ بْنُ أَحْمَدَ خَادِمُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ حَامِدًا مُصَلِّيًا وَمُسْلِمًا.
(وَهَذِهِ حِكَايَاتٌ) عَنْ مُسْتَعْمِلِي شُرْبِ الدُّخَانِ فِيهَا عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَمِنْهَا أَنِّي كُنْت قَدِمْت مِنْ جُدَّةَ إلَى السُّوَيْسِ فِي مَرْكَبٍ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى فَرَغَ الدُّخَانُ مِنْ مُسْتَعْمِلِهِ فَصَارَ يُولِعُ طَرَفَ الْعُودِ الَّذِي شَرِبَ فِيهِ الدُّخَانَ وَيَشْرَبُ دُخَانَهُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ حَتَّى أَفْنَاهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا قَادِمِينَ مِنْ جُدَّةَ إلَى السُّوَيْسِ فِي مَرْكَبٍ وَفَرَغَ دُخَانُهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْشَطُونَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute