رَحِمَك اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ فَتْحِهَا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَسَأَلَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُعْطِيَهُ مِفْتَاحَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] فَدَفَعَ مِفْتَاحَهَا لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، «وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَبَقِيَ الْمِفْتَاحُ بِيَدِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إلَى وَفَاتِهِ عَامَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فَأَخَذَهُ ابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَتَوَارَثَهُ بَنُوهُ بَعْدَهُ وَلَمْ يُعْقِبْ عُثْمَانُ وَقِيلَ أَعْقَبَ وَاشْتَكَى عَقِبَهُ إلَى الْمَنْصُورِ الْعَبَّاسِيِّ الْخَلِيفَةِ أَنَّ بَنِي عَمِّهِمْ شَيْبَةَ مَنَعُوهُمْ مِنْ السِّدَانَةِ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً فَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إلَى عَامِلِهِ بِمَكَّةَ إنْ شَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهَا فَشَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ فَجَعَلَهَا إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ.
وَالْمَوْجُودُونَ الْآنَ كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِبَنِي طَلْحَةَ لَا يَجُوزُ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ، وَلَا مُشَارَكَتُهُمْ فِيهَا وَعَلَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ كَذَلِكَ، وَمُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ تَسْوِيَتُهُمْ فِيهِ وَتَخْصِيصُ ذُكُورِهِمْ وَلَكِنْ حَيْثُ تَرَاضَوْا عَلَى زِيَادَةِ رَئِيسِهِمْ سَهْمًا وَإِعْطَاءِ نِسَائِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَصِلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِرَئِيسِهِمْ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِمَّا يَأْتِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ الصِّلَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَيَكُونُ جَمِيعُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَلَوْ صَرَّحَ الْمُعْطِي بِأَنَّهُ لِرَئِيسِهِمْ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ السَّهْمَ الَّذِي زَادُوهُ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَى حِفْظِهِ الْمِفْتَاحَ وَفَتْحِهِ وَغَلْقِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ الْخِدْمَةِ وَلَوْلَاهَا مَا أُعْطِيَ شَيْئًا وَأَذْكُرُ نُصُوصَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِسِدَانَةِ الْبَيْتِ الْمُعَظَّمِ لِيُعْلَمَ مِنْهَا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ فِي حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لِابْنِ الضِّيَاءِ الْحَنَفِيِّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ائْتِ بِالْمِفْتَاحِ قَالَ فَأَتَيْته بِهِ فَأَخَذَهُ مِنِّي ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيَّ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةٍ تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ» .
وَعَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ أَخَذَ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَشْفَقُوا أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي شَيْبَةَ هَاكُمُ الْمِفْتَاحُ وَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ وِلَايَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute