فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَزْعُهَا مِنْهُمْ وَلَا مُشَارَكَتُهُمْ فِيهَا. الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ، وَلَازَمُوا الْأَدَبَ فِي خِدْمَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُمْ مُشْرِفٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَالتَّقْصِيرِ فِي خِدْمَتِهِ وَرُبَّمَا تَعَلَّقَ الْجَاهِلُ الْمَعْكُوسُ الْفَهْمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُوا بِالْمَعْرُوفِ فَاسْتَبَاحَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبِدَعِ وَأَقْبَحِ الْفَوَاحِشِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إنْ صَحَّتْ اُسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ إقَامَةِ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى خِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَيْهِمَا أَوْ مَا يَقْصِدُونَ بِهِ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ وَهُوَ أَكْلٌ بِالْمَعْرُوفِ لَا مَحَالَةَ. اهـ
وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ لِلْحَطَّابِ الْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ نَزْعُ الْمِفْتَاحِ مِنْهُمْ لَا مَنْعُهُمْ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَمَا فِيهِ قِلَّةُ أَدَبٍ فَهَذَا وَاجِبٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْجَهَلَةُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِالْبَيْتِ مَا شَاءُوا فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ مَنْسُوبٌ إلَى حِجَابَةِ الْكَعْبَةِ أَيْ وَفَتْحِهَا وَإِغْلَاقِهَا وَخِدْمَتِهَا يُقَالُ لَهُ وَلِأَقَارِبِهِ الْحَجَبِيُّونَ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ أَسْلَمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَدَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَأَقَامَ بِهَا إلَى وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا إلَى وَفَاتِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ قُرْبَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ اهـ فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي السِّدَانَةِ وَفِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَمَا زَالُوا جَارِينَ عَلَيْهِ سَلَفًا وَخَلْفًا عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ الْآنَ فِيمَا يُهْدَى لِرَئِيسِهِمْ وَمُقْتَضَى النُّصُوصِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ أَنَّهَا لَهُمْ جَمِيعًا.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْقُطْبِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمُفْتِي بِمَكَّةَ عَمَّنْ وُلِدَ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا بَعْدَ كِبَرِهِ وَأَثْبَتَ نِسْبَتَهُ إلَى بَنِي شَيْبَةَ وَأَرَادَ مُشَارَكَتَهُمْ فِي السَّدَانَةِ وَفِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ.
فَأَفْتَى بِأَنَّهُ يَجِبُ إدْخَالُهُ مَعَهُمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِوِلَادَتِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ «يَا عُثْمَانُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ فَكُلُوا مِمَّا يَصِلُ إلَيْكُمْ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ إذْ هُوَ عَامٌّ شَامِلٌ لِمَنْ وُلِدَ بِهَا وَغَيْرِهِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ إدْخَالَهُمْ جَمِيعًا فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ ثَابِتٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَلَا إبْطَالُهُ، وَلَا مُعَارَضَتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute