وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ سَوَاءً كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ بِفَتْحِ الزَّاي مُعَيَّنًا أَمْ لَا قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِتَمَامِهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَصَدَاقُهَا أَلْفَانِ لَمْ يَجُزْ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَلْفَيْنِ فَوَضَعَتْ عَنْهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَلْفًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ، وَهُوَ كَالْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا الْيَمِينَ وَمَا كَانَ مِنْ الْهِبَاتِ لِمَعْنًى عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الَّتِي يُقْضَى بِهَا لِمُعَيَّنٍ إنَّمَا هِيَ لِلَّتِي يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا مَعْنَى الْيَمِينِ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ إذَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِهِ بَطَلَ حُكْمُهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَ الْعَطِيَّةِ وَالْهِبَةِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَهَذَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَمَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُقْضَى بِهِ عَلَى قَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ: إنْ قَدِمْت فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِيَمِينٍ وَلَا مُعَاوَضَةٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَأَلْفَانِ فَجَعَلَهُ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ فَاسِدًا، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَظْهَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْغَرَرِ فِي الْأُولَى بِالْبَحْثِ هَلْ لَهُ زَوْجَةٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا مُسْتَقْبَلٌ لَا يُدْرَى مَا يَكُونُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَظَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ رَسْمِ الْمُكَاتَبِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ قَالَ يَحْيَى بْنُ وَهْبٍ سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ - وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ -: إنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَ أَصْلُهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَطَلَبِ الْبِرِّ وَالْمُكَافَأَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي احْتِسَابِهِمْ، أَوْ حُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَإِنْ خَاصَمَهُ الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِهَا قَالَ: وَأَمَّا كُلُّ صَدَقَةٍ تَكُونُ فِي يَمِينِ الْحَالِفِ، أَوْ لَفْظِ مُنَازِعٍ، أَوْ جَوَابٍ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَا يُقْضَى بِهَا لِلْمُتَصَدَّقِ بِهَا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute