قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الِالْتِزَامَ لِلزَّوْجِ أَشَدُّ لِحَدِيثٍ إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ. . . إلَخْ فَلِهَذَا وَجْهٌ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مُعَارَضَتُهَا لِلَّتِي قَبْلَهَا فَظَاهِرَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي إنَّمَا هُوَ فِي اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ شُرُوطًا وَنَصُّ الْحَدِيثِ «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ نَحْوُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِاللُّزُومِ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ.
وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خَلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ النِّكَاحِ إذْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا كَمَا يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ بِالنِّكَاحِ زَوْجُهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تُلْزَمَ الشُّرُوطَ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ يَمِينٍ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: فَإِنْ فَعَلْت فَعَبْدُهَا حُرٌّ، أَوْ مَالُهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَلْزَمُهَا إنْ فَعَلَتْ حُرِّيَّةٌ الْعَبْدِ، أَوْ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهَا، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَلَوْ قَالَتْ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِزَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا لَبَطَلَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى قِيَاسِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ سَعْدٍ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَرَامٌ وَلَزِمَهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ طُولَ عِدَّتِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا كِرَاءً فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ رَسْمِ سَعْدٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ رَسْمِ سَعْدٍ صُورَتُهَا أَنَّ زَوْجَتَهُ خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ إلَيْهَا مَالَهَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ مَا أَخَذَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَئُولُ بِذَلِكَ إلَى فَسَادٍ إذْ لَا تَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهَا فَيَكُونُ سَلَفًا، أَوْ لَا يَرْجِعُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَئُولُ إلَى فَسَادٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلْتَزِمَ الصَّدَقَةَ لِزَوْجِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِالصَّدَقَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute