إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ ذَلِكَ فَحَلَفَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَلَوْ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَحْلِفُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ وَيَثْبُتَ لَهُ حَقُّهُ اهـ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ فُلَانٍ دَعْوَى، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ احْلِفْ وَخُذْهَا، فَهَذَا يَلْزَمُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونَ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ اعْتَمَدَ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ فِيمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِقْرَارِ، أَوْ إنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُنَاقَضَةَ الَّتِي فِي كَلَامِ سَحْنُونَ وَأَجَابَ عَنْهَا وَنَصُّهُ قَوْلُ سَحْنُونَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفَ فَحَلَفَ بِقَوْلِهِ: احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَمَّالَتِهَا احْلِفْ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَدْعِيهِ قِبَلَ أَخِي حَقٌّ، وَأَنَا ضَامِنٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الشَّيْءِ إمْكَانُهُ، وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفْت وَأَخَوَاتِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ مَلْزُومِيَّةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ لَا تَدُلُّ عَلَى إمْكَانِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ فِي لَفْظِهِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ احْلِفْ لِإِتْيَانِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ شَرْطِ اللُّزُومِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ لِدَلَالَةِ صِيغَةِ افْعَلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَطْلُوبٍ عَادَةً مُمْكِنٌ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامَيْ سَحْنُونَ أَظْهَرُ وَالثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى احْلِفْ، وَأَنَا أَغْرَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا فَيَقُولُ لَهُ احْلِفْ عَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْت عَلَيْك لَيْسَ حَقًّا وَابْرَأْ فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ، فَإِذَا هَمَّ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لَا أَرْضَى يَمِينَك وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّك تَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَلْ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَكِنْ يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ وَيَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْآخَرُ، أَوْ كَرِهَ، فَقَدْ رَدَّ الْيَمِينَ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يَكِلَّ عَنْهَا مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ اهـ.
وَقَوْلُهُ إنَّهَا مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute