قَدْ قَبَضَ ثَمَنَ الطَّعَامِ مِنْهُ وَغَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ مِنْهُ مَا انْتَقَصَ فِي ثَمَنٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّ مَا رُدَّ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ يَكُون سَلَفًا وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَكُونُ ثَمَنًا لِلطَّعَامِ فَيُتَّهَمَانِ عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ أَوْ لَمْ يَكُونَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَهَذَا فِيمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ مِنْ الذَّرَائِعِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُبْتَاعُ الْوَضِيعَةَ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَّهَمَانِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْعَشَرَةَ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَشَرَةَ وَلَا يَفْسَخُ الْبَيْعَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا قَصَدَا إلَيْهِ اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُبْتَاعِ: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: اُنْقُدْنِي الْآنَ الثَّمَنَ ثُمَّ بِعْ وَمَهْمَا نَقَصَ أُعْطِيك بَدَلَهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يَكُونَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْوَضِيعَةِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَا لَمْ يَقْصِدَا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ.
وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ نَقْدًا ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ وَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، فَإِنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِكَلَامِهِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الثَّانِي حُكْمُ مَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ انْتَقِدْنِي الثَّمَنَ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك وَفَعَلَ ذَلِكَ وَنَقَدَهُ ثُمَّ بَاعَ بِنُقْصَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ، فَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ انْتَقَدَ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُغْبَنْ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا بَيِّنًا وَبَاعَ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ حَتَّى تَحُولَ الْأَسْوَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى حَالَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ أَشْهَبُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُبْتَاعِ يُقَالُ لَهُ بِعْ وَلَا وَضِيعَةَ عَلَيْك ثُمَّ يَقُولُ: وَضَعْت كَذَا وَكَذَا أَيُصَدِّقُ قَالَ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي النُّقْصَانِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُصَدِّقَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسْتَنْكَرُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَأَبِقَ، أَوْ مَاتَ فَقِيلَ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ إنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute