للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَبِذَلِكَ وَجَّهَهَا أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ لَهَا فَوَهَبَتْ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا مِلْكُهُ لَكِنَّهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الْمُطَالَبَةَ بِنَفَقَةِ حَمْلِهَا، أَوْ بِنَفَقَتِهَا هِيَ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَانْظُرْهُ اهـ.

قُلْت: مَا ذَكَرَهُ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ إسْقَاطِ النَّفَقَةِ فَرْقٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الضَّرَرِ هُنَا، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَيَجِيءُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ.

قَوْلُهُ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا وَهَبَتْهُ الزَّمَنَ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ لَا رُجُوعَ لَهَا لِقَوْلِ عَارِيَّتِهَا إذَا رَجَعَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا يُعَارُ إلَى مِثْلِهِ وَقَوْلُهُمْ فِي السَّلَفِ إذَا طُلِبَ فِي الْحَالِ يُجَامِعُ الْمَعْرُوفَ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَ مَسْأَلَتِنَا رَاجِعٌ لِضَرَرٍ بَدَنِيٍّ وَلَا يُقَاوِمُهُ مَا يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَالِيٍّ اهـ. فَجَعْلُ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ أَنَّهُ حَكَاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ.

(الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ رُجُوعُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ ضَرَّتُهَا فِي شَيْءٍ كَمَا قَالُوا فِي اعْتِصَارِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ اهـ.

قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ التَّقْيِيدِ سَوَاءٌ عَلَّلْنَا الْمَسْأَلَةَ بِالضَّرَرِ، أَوْ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرُوا إدْخَالَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ وَكُلْفَتَهُ مَعَ أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ أَعْظَمُ مِنْ كُلْفَةِ الزَّوْجَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعُ فَرَجَعَتْ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الزَّوْجَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فَاتَ قَبْلَ بُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ فَلَا يَقْضِي اهـ.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا وَهَبَتْ وَاحِدَةٌ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا فَلِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ لَا لِلْمَوْهُوبَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَزِيدُ أَنَّ هِبَةَ الضَّرَّةِ لِضَرَّتِهَا يَوْمَهَا جَائِزَةٌ ثُمَّ لِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ تِلْكَ الْهِبَةِ وَلَيْسَ لِلْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْوَاهِبَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ، فَلَوْ جَازَ لِلْمَوْهُوبَةِ قَبُولُ هَذِهِ الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَسَقَطَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي مُتْعَتِهِ بِالْوَاهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ الزَّوْجُ الْهِبَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ اهـ.

قُلْت: لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الزَّوْجَاتِ الْأُخَرِ فَلَمَّا أَسْقَطَتْ إحْدَاهُنَّ يَوْمَهَا لِلْأُخْرَى وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا لِلْمَوْهُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>