مِنْ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَجْهَلُهَا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً فَلَهُ ذَلِكَ إذَا طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْعُهْدَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ وُجُودِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعُهْدَةَ وَالْمُوَاضَعَةَ حَقَّانِ يَجِبَانِ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِسْقَاطُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْوُجُودِ.
وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ إسْقَاطِ الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ لَا قِيَامَ لَهُ بِعَيْبٍ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي آخِرِ بَابِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ وَمَا لَا تَجُوزُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ إذَا تَبْرَأَ مِنْ مَشَشٍ بِهَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمَا فِي الرِّوَايَاتِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِعِوَضٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بِهِ إلَّا حَيْثُ يُقِرُّ بِالْفَسَادِ عَلَى الْعَقْدِ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ فَهِيَ فِي أَوَاخِرِهِ وَنَصُّهَا قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا ثُمَّ صَالَحَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عَلَى دَرَاهِمَ دَفَعَهَا إلَيْهِ قَالَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُتَبَرِّئَ فِي الْعُقْدَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِالْعَبْدِ، أَوْ مَشَشٍ بِالدَّابَّةِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يُرِيَهُ ذَلِكَ أَوْ يُبَيِّنَهُ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَعْهُ فِي ذَلِكَ الْبَرَاءَةُ وَيَجِبُ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْعَيْبِ اهـ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَنَصُّهَا وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ دَابَّةً ثُمَّ وَضَعَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ دِينَارًا عَلَى عُيُوبِهَا فَوَجَدَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِالْبَرَاءَةِ لَمْ تَنْفَعْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرُدُّ الدِّينَارَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بِعِوَضٍ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَدْ أَخَذَ الدِّينَارَ عَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِحَةِ وَلَا يَسْقُطُ، أَوْ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَيَلْزَمُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute