هُنَاكَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ فَهُوَ مَوْجُودٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْهَلُهُ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ، فَإِنَّ سَبَبَهَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فَتَأَمَّلْهُ.
فَالْإِقَامَةُ صَحِيحَةٌ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لِمَنْ تَأَمَّلْهُ وَنَصُّهُ إنْ الْتَزَمَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَقُومَ بِعَيْبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا إلَّا أَنْ يُسَمَّى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.
قُلْت: وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ سَوَّى فِيهَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ يُنْظَرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَالْمَشَشُ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ: شَيْءٌ يَرْتَفِعُ فِي وَظِيفِ الدَّابَّةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ وَلَيْسَ لَهُ صَلَابَةُ الْعَظْمِ الصَّحِيحِ. وَالْوَظِيفُ: مُسْتَدَقُّ الذِّرَاعِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ.
(الْفَرْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ) إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مِنْ صِنْفِ الدَّيْنِ وَصِفَتِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ يُقَاصِصَهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَالسَّلَمِ الثَّانِي وَالْوَكَالَاتِ مِنْهَا وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ إذْ اشْتَرَى مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مُقَاصَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَيُحْكَمُ بِالْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ. وَقِيلَ: الشَّرْطُ عَامِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّرْفَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ فَكَأَنَّهُمَا شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ. وَتَعْلِيلُهُ يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ. وَقِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَ الْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالدَّيْنِ فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ خَفِيفٌ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِلدَّيْنِ أَجَلًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَصْبَغَ رَاجِحًا فَتَأَمَّلْهُ.
وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِبْطَالِ الشَّرْطِ وَكُرِّرَ الْكَلَامُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَزَادَ فِيهِ مُفَرِّعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَالَ: وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ عَامِلٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ قَدْرَ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقَاصُّك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أُؤَخِّرُك إذْ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مُقَاصَّتَهُ ثُمَّ يُطَالِبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ كَاَلَّذِي يُسَلِّفُ الرَّجُلَ سَلَفًا حَالًّا ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا ابْتَعْت سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ وَدَفَعْتهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَقَالَك قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك بِيَدِهِ وَشَرَطْت عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ قَالَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute