للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرَامٌ قَطْعًا إجْمَاعًا ضَرُورَةً لَا يَشُكُّ فِيهِ مُسْلِمٌ سَوَاءٌ فِي حَالِ حَصْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُمْ وَفِي حَالِ عَدَمِهِ إذْ قِتَالُهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَمِنْ قَرُبَ مِنْهَا كَأَهْلِ عَمَلِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ مُسْلِمٌ أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ جَائِزَةٌ مَعَ ذَلِكَ قَالَ الْحَطَّابُ: وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ يَعْنِي لِلْحَرْبِيِّينَ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ اهـ وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَذْهَبُونَ بِهِ لِبِلَادِهِمْ فِيمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَقِتَالِ أَهْلِهِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَإِنْ اقْتَحَمَ الْأَمْرَ وَشَقَّ الْعَصَا وَأَتَاكُمْ بِجَيْشِهِ وَجَبَ عَلَيْكُمْ قِتَالُهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ كَالْعَدُوِّ وَالْبُغَاةِ الْمُتَغَلِّبِينَ الْفَاجِئِينَ الْقَاصِدِينَ الْأَنْفُسِ وَالْحَرِيمِ لِعُدْوَانِهِ وَتَجَارِبِهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ أَنْفُسُكُمْ وَحَرِيمُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَمَنَعَكُمْ مِمَّا هُوَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْكُمْ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ الْفَاجِئِينَ لَكُمْ وَالْمَقْتُولُ مِنْكُمْ فِي قِتَالِهِ كَالْمَقْتُولِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إلَّا طُلُوعُ الرُّوحِ فَصَمِّمُوا عَلَى قِتَالِهِ وَأَعِدُّوا لَهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ نَصَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَفِي كُلِّ مَنْ أَعَانَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَخَذَلَ كُلَّ مَنْ عَادَاكُمْ وَخَذَلَكُمْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَجَعَلَ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ.

وَنَصُّ مَا فِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلِمْسَانَ جَوَابُكُمْ سَيِّدِي عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا وَعَظُمَ مِنْ أَجْلِهِ الْخَطْبُ وَاتَّسَعَتْ فِيهِ الْمَقَالَاتُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَصْلَحَ اللَّهُ صَالَحَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذُوا سَوَاحِلَنَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ جِهَادَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ فَيَقْتُلُونَ وَيُضَيِّقُونَ بِهِمْ هَلْ ذَلِكَ طَاعَةٌ، أَوْ مَعْصِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ أَجِيبُونَا أُرْشِدْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ.

فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَ الدِّينَ الْمُحَمَّدِيَّ بِالْجِهَادِ وَوَعَدَ السَّاعِيَ فِيهِ بِالْوُصُولِ إلَى أَسْنَى الْمُرَادِ وَالشَّهِيدُ بِالْحَيَاةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالرِّزْقِ وَالْحُسْنِ فِي بَرْزَخِ الْمَوْتِ وَالْإِمْدَادِ فَمَا مِنْ مَيِّتٍ إلَّا يَتَمَنَّى الْعَوْدَ إلَى الدُّنْيَا إلَّا الشَّهِيدُ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ فَيَطْلُبَهَا لِيُزَادَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَعْدَ الْمَعَادِ فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ وَصْفٍ لَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ إذْ قَدِمْت عَلَى نَوَافِلِ الْخَيْرِ الْمُعَلَّى نَوَافِلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْمَبْعُوثِ بِجَمِيلِ الْخَلَائِقِ الْقَامِعِ بِلِسَانِهِ وَسَيْفِهِ وَبُرْهَانِهِ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَالْعِنَادِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ وَازَرُوهُ عَلَى إظْهَارِ الْخِزْيِ عَنْهُ مِنْ الْأَضْدَادِ فَجَلَبُوا بِبَرَكَتِهِ لِأُمَّتِهِ الْمَصَالِحَ وَبَذَلُوا لَهُمْ النَّصَائِحَ وَدَفَعُوا الْفَسَادَ صَلَاةً وَسَلَامًا فَنَالَ بِبَرَكَتِهِمَا مِنْ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُعْتَادِ.

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ الْكَرِيمُ مَسْجِدُهُ الْجَمِيلُ مُعْتَقَدُهُ، فَإِنَّ جَوَابَ سُؤَالِك يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ مُقَدِّمَةٍ بِتَقْرِيرِهَا يَتَبَيَّنُ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَنَقُولُ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ حَيْثُ يَكُونُ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ.

وَالثَّانِي حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ طَالِبِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْحَرْبِيِّينَ فَالصُّلْحُ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَمَهْمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>