للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَامَ طَلَاقُ ثَلَاثٍ بِأَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ضَلَالٌ مُبِينٌ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ جَهْلٌ إذْ لَا يُفْتَى لِقَوْمٍ بِعُرْفِ آخَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَغَارَتْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنْ طَلَّقَهَا لَيَتَزَوَّجَنَّ أُخْرَى بِقَصْدِ إغَاظَتِهَا، وَالْمُكْثِ مَعَهَا فَهَلْ إذَا طَلَّقَ الثَّانِيَةَ، وَعَقَدَ عَلَى أُخْرَى تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالدُّخُولِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقَامَةِ مَعَهَا، وَهَلْ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهَا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْعَقْدِ، وَالدُّخُولِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَمْكُثَ مُدَّةً تَحْصُلُ بِهَا الْإِغَاظَةُ، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طُولٍ نَحْوِ سَنَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تُشْبِهَ الْمَرْأَةُ نِسَاءَهُ، وَيَكُونَ مِثْلُهَا يَغِيظُ زَوْجَتَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولٍ بِوَطْءِ مُبَاحٍ مَعَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ مُكْثِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى لَطَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا فَقَالَ لَهَا: إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَهِيَ رَشِيدَةٌ فَهَلْ إذَا أَثْبَتَتْ أَنَّهُ كَانَ يُضَارِرُهَا بِالسَّبِّ، وَالضَّرْبِ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِصِدَاقِهَا، وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لِرُشْدِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِفَتْوَى مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَلِّلًا بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ حَمَلَهَا عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ، وَفِعْلُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا أَثْبَتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ يُضَارِرُهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَالِ إلَيْهَا، وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشُرَّاحِهِ، وَالْفَتْوَى بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ جَهْلٌ أَوْ ضَلَالٌ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَرَدُّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ نَصُّهَا يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْهُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ، وَبَانَتْ مِنْهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَقُولُ: وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مَعَ رَدِّ الْمَالِ صِحَّةَ الْبَرَاءَةِ كَمَا فِي السُّؤَالِ، وَإِلَّا لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ بَلْ ثُبُوتُ الضَّرَرِ فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ التَّطْلِيقَ بِهِ مَجَّانًا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَهُوَ الْعِلَّةُ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ، وَرَدِّ الْمَالِ فَزَعْمُ الْمُفْتِي أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ إلَخْ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْحُكْمِ لِغَفْلَتِهِ عَنْ عِلَّتِهِ، وَالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَكَانَ بَائِنًا لِوُقُوعِهِ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لَوْ أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ قِبَلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ سَأَلَتْهُ زَوْجَتُهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ لَهَا قَبْلَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ: إنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْت خَالِصَةٌ، وَدَخَلَتْ فَهَلْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةُ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ دَعْوَاهُ يَلْحَقُهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ اللَّازِمَ بِخَالِصَةٍ رَجْعِيٌّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ) : الْحَمْدُ لِلَّهِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ سَوَاءٌ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَاجَعَهَا بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ أَوْ لَا حَيْثُ اسْتَمَرَّ مُعَاشِرًا لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ خَالِصَةً طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ، وَأَنَّ الْوَطْءَ بِمُجَرَّدِهِ رَجْعَةٌ فَهِيَ مَعَهُ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ يَلْحَقُ فِيهِ الطَّلَاقُ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ، وَقَاعِدَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(أَقُولُ) ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَنَصُّهُ وَهُنَا مُهِمَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّخْصِ الْحَرَامُ فَيُرَاجِعُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيُفْتِيهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ لُزُومِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَام طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>