وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَيُجَدِّدُ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدًا، وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْحَقُهُ فِيهِ بَلْ، وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي لُحُوقَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ رَجْعِيٌّ مَعَ قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ: إنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ رَجْعَةً مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَيْضًا كَيْفَ، وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: الْحَرَامُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ عِصْمَتِهِ، غَايَتُهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ - تَعَالَى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ رِقَّةِ الدِّيَانَةِ انْتَهَى، وَنَصُّهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ: مَسْأَلَةٌ يَضِلُّ فِيهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يُفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَرَامَ الْمَشْهُورَ فِيهِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ ثَلَاثٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَجَرَى الْعَمَلُ بِالْمَغْرِبِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَهُ رَجْعِيَّةً فَيَتَّفِقُ أَنْ يَقَعَ الْحَرَامُ مِنْ شَخْصٍ فَيُرَاجِعَ لَهُ الْمُفْتِي الشَّافِعِيُّ ثُمَّ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا فَيَقُولَ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا يَلْزَمُ الثَّلَاثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَمَا دَرَى أَنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَبَعْضُهُمْ يُعَلِّمُ الرَّجُلَ إنْكَارَ الرَّجْعَةِ، وَلَا يُخَلِّصُهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا عَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى أَنَّ الْجِمَاعَ بِمُجَرَّدِهِ يَكُونُ رَجْعِيَّةً فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمُفْتِي انْتَهَى.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا - لَطَفَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ صَبِيٍّ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهَلْ تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ فَيَلْزَمُهُ طَلَاقُ زَوْجَتِهِ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ لُزُومِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ إنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ أَوْ شَرْطُ التَّكْلِيفِ يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُرْتَدِّ بَيِّنُوا لَنَا جَوَابًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، رِدَّةُ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُبْ فَيُؤَخَّرُ لِبُلُوغِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ فِيهِ كَالْبَالِغِ فَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ، وَلَا تَرْجِعُ لَهُ إنْ رَجَعَ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ، وَلَمْ نَرَ مَنْ اسْتَثْنَى بَيْنُونَةَ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ مِنْ أَحْكَامِ رِدَّتِهِ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي صِحَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ الْمُوقَعِ، وَهَذَا طَلَاقٌ يَحْكُمُ بِهِ الشَّرْعُ عِنْدَ رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ: بِصِحَّةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ فَمَا تَفْهَمُهُ فِي رِدَّةِ الزَّوْجَةِ افْهَمْهُ فِي رِدَّةِ الصَّبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْت) كَلَامُ الْخَرَشِيِّ نَصٌّ فِي بَيْنُونَةِ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ بِرِدَّتِهِ، وَأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّلَاقِ الْمُوقَعِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ نَائِبِهِ لَا فِي الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَالُ: إذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ بَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ عَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْ مُكَلَّفٍ لِأَنَّا نَقُولُ: الْبَيْنُونَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا أَنَّهُ هُوَ الْمُوقِعُ لَهَا اهـ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا: عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مَا أَنْت قَاعِدَةٌ فِي الدَّارِ فَأَخَذَتْ حَوَائِجَهَا فِي مِقْدَارِ دَرَجَةٍ، وَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا فَهَلْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَبِسَاطُ الْيَمِينِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِدَوَامِ الْبُغْضِ بَيْنَهُمَا، وَصَالَحَهَا لَهَا دُخُولُ الدَّارِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ الْبِسَاطُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ إذْ شَرْطُ اعْتِبَارِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ فِي مَعْنَى مَا أَنْتِ قَاعِدَةٌ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَسْكُنِي فِيهَا فَلَيْسَ لَهَا سُكْنَاهَا، وَمَتَى سَكَنَتْهَا لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ انْتِقَالَهَا مِنْهَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِانْتِقَالِهَا مِنْهَا، وَمُكْثِهَا خَارِجَهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَيُنْدَبُ كَمَالُهُ، وَلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute