للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَذِبَ فَهُوَ الْبُهْتَانُ وَسَبَبُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الضَّلَالَ فَهُوَ الْخُسْرَانُ وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لِطَعْنٍ فِي رَاوِيهِ لَا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وَلَوْ وَقَعَ هَذَا لَمْ يَبْقَ لِلتَّعْدِيلِ ثَمَرَةٌ وَالنُّصُوصُ الَّتِي فِي أَيْدِينَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ حُكْمًا يُخَالِفُ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ وَالْحَسَنَةَ يَجِبُ نَقْضُهُ.

وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْطُ الرَّاوِي الْعَدَالَةُ إلَى أَنْ قَالَ فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا وَهُوَ الْمَسْتُورُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ فِي قَوْلِهِمْ بِقَبُولِهِ اتِّبَاعًا لِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُظَنُّ مِنْ عَدَالَتِهِ فِي الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ فِي الْبَاطِنِ إلَى أَنْ قَالَ أَمَّا الْمَجْهُولُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ وَظَنِّهَا وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ عَنْ رَجُلٍ مَرْدُودٍ إجْمَاعًا فَإِنَّ وَصْفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ بِالثِّقَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَلِيلًا فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَى. مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمُحَلَّى عَلَيْهِ.

وَفِي الدِّيبَاجِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ مَا نَصُّهُ وَأَنْتَ إذَا نَظَرْتَ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مَنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَمَآخِذَهُمْ فِي الْفِقْهِ وَاجْتِهَادَهُمْ فِي الشَّرْعِ وَجَدْتَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَاهِجًا فِي هَذِهِ الْأُصُولِ مَنَاهِجَهَا مُرَتِّبًا لَهَا مَرَاتِبَهَا وَمَدَارِجَهَا مُقَدِّمًا كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْآثَارِ ثُمَّ مُقَدِّمًا لَهَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ تَارِكًا مِنْهَا مَا لَمْ تَتَحَمَّلْهُ الثِّقَاتُ الْعَارِفُونَ لِمَا تَحَمَّلُوهُ.

وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ أُوَيْسٍ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِمَّنْ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ هَذِهِ الْأَسَاطِينِ، وَأَشَارَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ أَمِينًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْوَدَ أَخْذًا لِلْعِلْمِ مِنْ مَالِكٍ وَلَا أَشَدَّ انْتِقَادًا لِلرِّجَالِ وَالْعُلَمَاءِ مِنْهُ انْتَهَى، وَلَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ طَالَعَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ أَوْ الْمُصْطَلَحِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ إلَّا بِبَعْضِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَأَنَّ الضَّعِيفَ قِسْمٌ مِنْ الْمَرْدُودِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ الشَّائِعِ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَأَنْ لَا يُعْتَقَدَ ثُبُوتُهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لَا يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا وَهَذَا شَيْءٌ يَعْرِفُهُ صِغَارُ الطَّلَبَةِ، فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ اعْتَقَدَ هَذَا الْغَبِيُّ أَنَّ مَالِكًا يَجْهَلُ مَا تَعْرِفُهُ الصِّغَارُ أَوْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ مِنْ الْأَخْبَارِ أَوْ يَتَلَاعَبُ بِالشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ أَوْ يَقْصِدُ إضْلَالَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَيَلْبِسُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ فَيَتْرُكُ الْقَوِيَّ وَيَأْخُذُ الضَّعِيفَ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ فَضَحَ نَفْسَهُ بِإِظْهَارِ شِدَّةِ جَهْلِهِ وَسُوءِ حِفْظِهِ وَسَخَافَةِ عَقْلِهِ.

وَلَقَدْ صَرَّحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>