نَفْسِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَشِبْهَهُ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَرْعَتْ الْمَرْأَةُ فِي الضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخُلْعِ، وَأَشْهَدَتْ بِذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الضَّرَرَ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَقْطَعَ الشُّهُودُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْمَعْلُومُ مَا تَقَدَّمَ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فَتَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهَا، وَيُصْرَفُ عَلَيْهَا مَا أَسْقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَالٍ، وَالطَّلَاقُ مَاضٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِصَالِحَاتِ الْجِيرَانِ، وَالْخَدَمِ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ إلَيْهَا قَالَ: ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي مَقَالَاتِ ابْنِ مُغِيثٍ: وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَطْعِ، وَشَهِدَ مَعَهُ بِالسَّمَاعِ نَفَذَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَيُجْزِئُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ عَدْلَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالشُّهُودُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمَا نَفَذَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ ضَامِنُ التَّبَعَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا اخْتَلَعَتْ بِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ الضَّرَرُ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ الْقَيْرَوَانِ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي، وَثَائِقِهِ لِلزَّوْجِ، وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَغَلَّطَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّامِنِ، وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ بِهَا لِفَسَادِ الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الضَّامِنُ بِالضَّرَرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ لِلزَّوْجَةِ، وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ فِي عَقْدِهَا فَهَلْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَمَا تَفْعَلُ إذَا كَانَ لَهَا شَرْطٌ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهَا ذَلِكَ فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ حَتَّى تَشْهَدَ بِتَكْرَارِ الضَّرَرِ فَإِذَا شُهِدَ بِذَلِكَ، وَجَبَ لِلسُّلْطَانِ النَّظَرُ لَأَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ قَالَ: ابْنُ حَارِثٍ، وَلَيْسَ الضَّرْبُ، وَإِنْ صَحَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا آثَارُهُ الظَّاهِرَةُ بِاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى الضَّرَرِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَمْلُوكَهُ كَمَا لِلْأَبِ أَنْ يُؤَدِّبَ ابْنَهُ، وَكَمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ، وَقَدْ شَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ صَفِيَّةَ، وَكَمَا لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُؤَدِّبَ مُتَعَلِّمَهُ، وَكَمَا لِلْحُكَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِلنَّظَرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤَدِّبُوا الظَّالِمَ بِضُرُوبِ التَّأْدِيبِ، وَمَقَادِيرُ الذُّنُوبِ مُخْتَلِفَةٌ، وَكُلُّ سَنٍّ، وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ، وَمُصَدَّقٌ فِيهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ تَعَدِّيهِ فَيُضْرَبَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَكِي أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا، وَبِهَا أَثَرُ ضَرْبٍ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا عَلَى مُعَايَنَةِ ضَرْبِهَا فَقَالَ يُسْأَلُ جِيرَانُهَا فَإِنْ قَالُوا: إنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْزِعُ عَنْ ظُلْمِهَا، وَأَذَاهَا أَدَّبَهُ، وَحَبْسُهُ.
قِيلَ: فَإِنْ سَمِعَ الْجِيرَانُ الصِّيَاحَ مِنْهَا، وَلَمْ يَحْضُرُوا ضَرْبَهُ إيَّاهَا فَقَالَ: لَا شَكَّ فِي هَذَا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ لَشَكَا هُوَ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ فَتْحُونٍ قَالَ غَيْرُهُ: وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَطْلُقُ عَلَى زَوْجِهَا إذَا صَنَعَ بِهَا مِنْ الْمُثْلَةِ مِثْلَ مَا يَعْتَقُ بِهَا الْمَمْلُوكُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإِذَا تَرَدَّدَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَكْوَى ضَرَرِ زَوْجِهَا بِهَا أُمِرَ جِيرَانُهَا أَنْ يَتَفَقَّدُوا أَحْوَالَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِيرَانِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَمَرَ بِالسُّكْنَى بِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُلَهَا مِنْ سُكْنَى الْبَادِيَةِ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِإِسْكَانِهَا حَيْثُ يُجَاوِرُهَا مَنْ يَشْهَدُ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي طَرَفِ الْحَاضِرَةِ أَمَرَ بِالسُّكْنَى بِهَا فِي مَوْضِعٍ يَتَبَيَّنُ فِيهِ حَالُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَتْ الْوَحْدَةَ، وَالْوَحْشَةَ، وَلَمْ تَشْكُ الضَّرَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى مَوْضِعٍ مُؤْنِسٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَرَفَتْ ذَلِكَ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ نَقْلُهَا فَإِنْ تَبَيَّنَّ الضَّرَرُ لِلْجِيرَانِ مِنْ الزَّوْجِ أَدَّبَهُ، وَزَجَرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْجِيرَانِ، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ كُلَّ الْإِشْكَالِ، وَطَالَ تَرْدَادُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ السُّكْنَى بِهَا فِي دَارٍ أَمِينٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ لُبَابَةَ الْأَمِينَةَ، وَقَالَ: لَا يَقْضِي بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقْضِي بِذَلِكَ إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْأَمِينَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute