وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَاجِلًا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا تُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَا أَقَامَ لَهَا وَكِيلًا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَا أَرْسَلَ لَهَا بِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَحَمَّلْ بِنَفَقَتِهَا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَصْلٌ فَإِنْ دَعَتْ الزَّوْجَةُ إلَى الْفِرَاقِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَوْ أَسِيرًا أَوْ مَفْقُودًا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَالْمَكَانِ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْمَكَانِ فَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَنَّ السُّلْطَانَ يَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْمِلَهَا إلَيْهِ أَوْ يُفَارِقَهَا، وَإِلَّا طَلَّقْتُهَا عَلَيْك قَالَ: فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ، وَالنَّفَقَةُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: مَالِكٌ أَمَّا الْحِينُ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَنَنْتُ قَوْلَهُ: الْحِينُ السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَإِنْ أَطَالَ الْغَيْبَةَ فَلْيَقْضِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي تَنَصُّرِهِ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَيُوقَفَ مَالُهُ فِي تَنَصُّرِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الِارْتِدَادِ فَيَكُونَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُرَاجِعَ الْإِسْلَامَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا مَجْهُولَ الْحَالِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ إذَا ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاقِ فَلَهَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ فَقْدُهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يُؤَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَفْقُودِ لَا مِنْ يَوْمِ قِيَامِهَا فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي عِدَّتِهَا، وَلَا فِي نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ نَفَّذَ بِالتَّأْجِيلِ، وَإِذَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنْ أَحَبَّتْ الْمَقَامَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَشْرَعَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ الْأَجَلِ فَلَهَا ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أَرَادَتْ فِرَاقَهُ ضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ آخَرُ، وَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ أَوْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَجَلِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ، وَقَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي الْأَحَقِّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَقَدْ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَأْخُذُ مَهْرَهَا كُلَّهُ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا، وَقَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي.
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، وَأَشْهَدَ الْعُدُولَ عَلَى ضَرْبِ الْأَجَلِ جَازَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا عِنْدَ ضَرْبِ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ.
وَحَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا حُكْمَ فِيهِ، وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى صَالِحِي جِيرَانِهَا، وَكَشَفُوا عَنْ خَبَرِ زَوْجِهَا، وَضَرَبُوا لَهَا أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَمِ الْإِمَامِ كَفِعْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَابْنُ الْقَابِسِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا مَالُهُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَحْصُرُهُ، وَيُقَدِّمُ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ حَيَاتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَمُدُّ تَعْمِيرِهِ، وَيَقُومَ هَذَا الْمُقَدَّمُ مَقَامَ الْمَفْقُودِ فِي قَبْضِ مَالِهِ، وَإِجْرَائِهِ فِيمَا يَجِبُ، وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ، وَالدُّيُونِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَفْقُودِ قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَخْذِهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِتَمْوِيتِهِ بِخِلَافِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا كَانَ يَقُولُ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنَّهَا ضَاعَتْ أَوْ خُسِرَتْ فِي الْقِرَاضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
قَالَ: وَنَزَلْت فَأَفْتَيْتُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقُومُ أَحَدٌ عَنْ الْغَائِبِ دُونَ تَقْدِيمٍ، وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ فِي إثْبَاتِ مُلْكٍ لَهُ أَوْ إحْدَاثِ عَيْبٍ عَلَيْهِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ لَهُ فَيُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَيَشْهَدُ الْقَاضِي بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ، وَلَا يَحْكُمُ بِإِخْرَاجِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مِنْ يَدِ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ: ابْنُ رُشْدٍ فِي تَعَقُّبِهِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ، وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ، وَالْخُصُومَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute