الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ خَاصَّةً، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ قَالَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمٍ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ رُدَّ مَا كَانَ وُقِفَ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى، وَوَرِثَ الْمَفْقُودُ، وَرَثَتَهُ الْأَحْيَاءَ عِنْدَ انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ، وَالْمُتَوَفَّى وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ الْمَفْقُودِ، وَالْمُتَوَفَّى؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ التَّعْمِيرِ فَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: تِسْعُونَ سَنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَرَجَعَ إلَيْهِ أَيْضًا مَالِكٌ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ، وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَأَعْدَلُهَا عِنْدِي الثَّمَانُونَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ، وَبِذَلِكَ الْقَضَاءُ فَإِنْ بَقِيَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لَهَا، وَاعْتِدَادِهَا مِنْهُ إلَى أَنْ انْقَضَى أَمَدُ تَعْمِيرِهِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى هُوَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا تَرِثُهُ، وَتَدْخُلُ مَعَ وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ هِيَ بَعْدَ اعْتِدَادِهَا، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ فَلْيُوقَفْ لِلزَّوْجِ مِيرَاثُهُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ حَيَاتُهُ بَعْدَهَا، وَيَظْهَرَ خَطَأُ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وَتَكُونَ هِيَ لَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ فَيَأْخُذَ مِيرَاثَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَيُحْكَمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فِي حَقِّهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَفْقُودَ إذَا تَمَّتْ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَعْوَامِ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَالَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَكَمَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ حُكِمَ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَقُسِّمَ مَالُهُ، وَتَرَتَّبَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْمَوْتِ كُلُّهَا إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَسْمِ مَالِهِ، وَوَجْهُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ تَغْلِيبُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَفْقُودِ الْحَيَاةُ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ، وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ أَنَّهُ مَاتَ فَرَجَحَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمِيرَاثِ لَكِنَّ مَالِكًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهَا، وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَجَلُ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَبِتَمَامِهَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ جُعِلَتْ هُنَا أَقْصَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْقَطِعُ بِتَمَامِهَا حَيَاةُ الْمَفْقُودِ، وَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَلْحَظٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا مَفْقُودُ الْمُعْتَرَكِ فِي الْقِتَالِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمْ.
فَإِنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ.
أَحَدُهَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ فَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَعْوَامِ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ تَعْمِيرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ فَلَا يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلٌ، وَلَا يُورَثُ مَالُهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ يَنْقَضِيَ أَجَلُ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُضْرَبُ لِلزَّوْجَةِ سَنَةٌ بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ عَنْهُ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيَبْقَى مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْمِيرِ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلٌ سَنَةً بَعْدَ الْبَحْثِ، وَالْيَأْسِ مِنْهُ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيَرِثُهُ إذْ ذَاكَ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِهَا، وَحَكَمَ بِهِ ابْنُ الْأَيْمَنِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute