ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ ثَلَاثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَمُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ لَغْوٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا وَاحِدَةً عَلَى بَرَاءَةٍ، ثُمَّ سَكَتَ زَمَنًا، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ مَاذَا يَلْزَمُهُ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، إنْ كَانَ زَمَنُ سُكُوتِهِ يَسِيرًا عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ، وَالْمَجْمُوعُ كَلَامٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ سُكُوتِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ قَاطِعًا مَا بَعْدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَيَصِيرُ الثَّانِي كَلَامًا مُسْتَقِلًّا فَلَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْبَرَاءَةِ بَائِنٌ، وَالْبَائِنُ لَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إذَا كَانَ نَسَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ الْخُضَرِ نَحْوَ بَامِيَةٍ، وَمُلُوخِيَّةٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَقَرْعٍ، وَخِيَارٍ، وَغَيْرِهَا، وَلَهُ زَوْجَتَانِ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِلْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا فَهَلْ إذَا أَكَلَ شَيْئًا مِنْهَا تَطْلُقَانِ عَلَيْهِ مَعًا أَوْ يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَرِيحُ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ رِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ الْمَشْهُورَةُ بِأَنَّهُمَا تَطْلُقَانِ مَعًا، وَرِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ بِأَنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلتَّطْلِيقِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَيْ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً فِي الْجَمِيعِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً، وَنَسِيَهَا طَلُقَتَا أَوْ طُلِّقْنَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْتَارُ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَسَوَّى الْمَدَنِيُّونَ فِي الِاخْتِيَارِ اهـ، وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا.
وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ عَنْ الْفَائِقِ وَالْمِعْيَارِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَظَاهِرَهُ اتِّفَاقًا، وَلَكِنَّهُ بَحَثَ فِيهِ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْخَرَشِيِّ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ إحْدَاكُمَا وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مُطْلَقًا عَلَى شَيْءٍ، وَحَنِثَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحْلُوفًا بِهَا فَنُقِلَ عَنْ الْفَائِقِ وَالْمِعْيَارِ أَنَّهُ يَخْتَارُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ وَقَعَ لَفْظُهُ مُطْلَقًا، وَفِي تَقْيِيدِهِ بِإِحْدَاهُمَا زِيَادَةُ مَعْنَى، وَلَا يَخْفَاك التَّعَسُّفُ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْأَلْفَاظَ كَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الْمَعَانِي فَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةِ فَقَالَ لَهَا: اُسْكُتِي فَأَبَتْ، وَقَالَتْ لَهُ: أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي، وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا ضَرَرٌ مِنْهُ، وَهُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا أَفْتَاهُ بِمُرَاجَعَتِهَا فَرَاجَعَهَا، وَمَكَثَتْ مَعَهُ مُدَّةً ثُمَّ ذَهَبَتْ إلَى دَارٍ أَهْلِهَا، وَطَلَبَتْ مِنْهُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَيَكُونُ وَطْؤُهُ الثَّانِي وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ، وَتَكُونُ بَائِنَةً مِنْهُ عَلَى طَلَاقِهِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَالْمُرَاجَعَةُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ الْأَوَّلُ، وَالْوَطْءُ الثَّانِي شُبْهَةٌ لَهَا فِيهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَهِيَ طَالِقٌ مِنْهُ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَالْمُرَاجَعَةُ بَاطِلَةٌ، وَيُؤَدَّبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute