بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ ابْنِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ عَامِلُ قِرَاضٍ، وَلَمَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ سَفَرِهِ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِأَرْشِ الْحَمْلِ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِهِ لَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَمْلَ وَكَتَمَهُ حِينَ الْبَيْعِ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ قَالَتْ أَطْلَعَنِي عَلَى الْجَارِيَةِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِحَمْلِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَهَا بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ بِدُونِ رَفْعِ الْحَاكِمِ يُعَدُّ رِضًا مِنْهُ بِهِ فَهَلْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يَرْفَعَ لِقَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ الْبَائِعُ، وَلَا وَكِيلُهُ، وَلَا مَالُهُ، وَإِنْ ثَقُلَ عَلَيْهِ الرَّافِعُ لَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَهَلْ تَكُونُ الدَّعْوَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَلْ يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِإِحْضَارِ نِسَاءٍ يَشْهَدْنَ عَلَى الْحَمْلِ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا لِلرَّائِي بِدُونِ تَأَمُّلٍ أَوْ تَكْفِي شَهَادَةُ رُفَقَائِهِ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حِينَ الشِّرَاءِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْلِيبِ، وَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) حَيْثُ سَافَرَ الْمُشْتَرِي بِجَارِيَتِهِ يَوْمَيْنِ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَرْشِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ تَبَعًا لِلْمُتَيْطِيِّ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالتَّمَاسُكِ، وَيَرْجِعُ بِأَرْشِهِ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ، وَرَدُّ مَبِيعٍ لِمَحِلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ، وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا فَاتَ قَالَ الْخَرَشِيُّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا فَإِنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدَّهُ إنْ نَقَلَهُ لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ فَإِنْ بَعُدَ فَاتَ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ، وَفَسَّرَ الْقُرْبَ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَا كُلْفَةَ فِيهِ، وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي، وَمِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الرُّجُوعَ بَعْدَ رُكُوبِ الْبَحْرِ بِيَوْمَيْنِ لِأَجْلِ عَيْبٍ بِجَارِيَةٍ فِيهِ أَعْظَمُ كُلْفَةً، وَمَشَقَّةً بَلْ لَا يَكَادُ يَقَعُ، وَقَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا فَاتَ هَذَا نَحْوُ مَا نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ فَإِنْ حَمَلَ الْمَبِيعَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى حَيْثُ أَخَذَهُ، وَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَانَ فَوْتًا يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ السِّلْعَةِ مَعَ الْقُرْبِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَوْ كَانَتْ سِلْعَةً فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَمْسِكَ أَوْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَحَمَلَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَلِّسٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْإِقَالَةِ اهـ.
فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُدَلِّسْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ نَقَلَ إلَى بَلَدٍ مَا فِي رَدِّهِ إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ غُرْمٌ كَثِيرٌ رُفِعَ لِسُلْطَانِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ عَلَى شِرَاءِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ فِي الْجَارِيَةِ فَيَأْمُرُ بِبَيْعِ ذَلِكَ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَهُ فَضْلُهُ، وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ يَكُونُ نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ الْأُخْرَى مُفَوِّتًا، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فِي الْبَلَدِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لَا يَتَكَلَّفُ فِي رُجُوعِهِ كِرَاءً، وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ فَلَا يَكُونُ نَقْلُهُ فَوْتًا اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ مَحِلُّهُ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْغَائِبِ، وَإِلَّا فَلَا يَشْتَرِطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ، طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ تَبِعَ فِيهَا ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ، وَصَاحِبَ الذَّخِيرَةِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute