للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِمَا إجْمَاعِيَّةً لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِ إمَامِ هَذَا الْمُقَلِّدِ وَمَبْنَاهُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَلَمْ يَزَلْ أَعْلَامُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْكُمْ - يَتَسَاهَلُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَا سِيَّمَا بَعْدَ النُّزُولِ أَوْ لَا سَبِيلَ إلَى تَخْيِيرِ هَذَا الْمُقَلِّدِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ

وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَقْوَى الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ وَأَرْجَحِهَا فِي نَظَرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهَا دَلِيلًا يُوَافِقُ غَرَضَهُ فَكَذَلِكَ هَذَا إذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِقَوْلِ الْأَعْدَلِ وَالْأَعْلَمِ مِنْهُمَا فِي نَظَرِهِ أَوْ غَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْدُبَ إلَى الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْدَلِ وَالْأَعْلَمِ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ وَاتِّبَاعِ الْأَفْضَلِ هَذَا غَيْرُ مَا أَفْتَى بِهِ عِزُّ الدِّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَلْبَتَّةَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَمَعَ الْقَوْلِ أَيْضًا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَكُلُّ الرُّخَصِ صَوَابٌ وَلَا دَرَكَ عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ صَوَابٍ إلَى صَوَابٍ وَقَدْ أَفْرَدَ لِهَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كِتَابًا فِي مُوَافَقَاتِهِ كَمَا فِي عِلْمِكُمْ يَقْتَضِي مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ أَوْ الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِالْمَشْهُورِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ فِي مَنْعِ الْفُتْيَا بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ قَالَ وَالْمُقَلِّدُ مِثْلُهُ وَرُبَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ هُوَ مَرْدُودٌ بِفُتْيَا الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ الْوَرِعِ الْمِصْرِيِّ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَذَا يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ إلَّا بِالْمَشْهُورِ وَفُتْيَا الْمَازِرِيِّ حَيْثُ أَفْتَى بِمَنْعِ اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ عَنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَقَدْ أَوْجَبَ إجْمَاعَاتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَفَتَاوِيهِمْ حَيْرَةً عَظِيمَةً فَاكْشِفُوا بِفَضْلِكُمْ مَا غَشَّى أَبْصَارَنَا كَشَفَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِكُمْ حُجُبَ الْغَفْلَةَ وَأَمَدَّ أَبْصَارَكُمْ وَبَصَائِرَكُمْ بِنُورٍ مِنْ لَدُنْ أَطْوَلِ أَيَّامِ الْمُهْلَةِ.

قَالَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فَأَجَبْتُهُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَخَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَأَكْرَمِ أَوْلِيَائِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا يَدُومَانِ بِدَوَامِ الدَّهْرِ وَنَجِدُ بَرَكَتَهُمَا فِي هَذِهِ وَيَوْمَ لِقَائِهِ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ فِي اللَّهِ - شَرَحَ اللَّهُ لِلْعِلْمِ النَّافِعِ صَدْرِي وَصَدْرَكَ وَرَفَعَ فِي الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ قَدْرِي وَقَدْرَكَ وَيَسَّرَ لِلْخَيْرَاتِ أَمْرِي وَأَمْرَك وَضَاعَفَ لَدَيْهِ أَجْرِي وَأَجْرَك - فَإِنِّي أُمَهِّدُ لَك قَبْلَ الْخَوْضِ فِي تَتَبُّعِ أَلْفَاظِ السُّؤَالِ وَالشُّرُوعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالْأَحْوَالِ مُقَدَّمَةً عَلَيْهَا الْمَدَارُ وَالِاعْتِمَادُ وَبِتَحْصِيلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَتَبَيَّنُ الْغَرَضُ وَيُسْتَفَادُ فَأَقُولُ مُعْتَصِمًا بِاَللَّهِ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَمُتَبَرِّئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَيْهِ: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ الْمُنْتَسِبِ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَأَصْحَابِ الْآرَاءِ وَالْمَقَالَاتِ الْمَرْوِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>