الْمَسْمُوعَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي تَعْيِينِ الْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ إنْ كَانَ الْمُقَلِّدُ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِي طُرُقِ التَّرْجِيحِ وَإِدْرَاكِ مَدَارِك التَّقْدِيمِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ إنْ كَانَتْ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَنْ لَا يَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَفِي الدَّلِيلِ لَهُ عَاضِدٌ وَأَنْ يَخْتَارَ أَوْفَقَ الْمَذَاهِبِ وَالْأَقْوَالِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى جِنْسِ التَّرْجِيحِ وَنَوْعِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نُصْرَةِ الْأَوَّلِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْك التَّمَسُّكُ بِالْأَخِيرِ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ نَاسِخٌ وَالسَّابِقَ مَنْسُوخٌ فِي نَظَرِ الْأَئِمَّةِ وَالشُّيُوخِ.
فَإِنْ قُلْتَ إذَا وَجَبَ إعْمَالُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ نَاسِخًا وَإِهْمَالُ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا فَمَا فَائِدَةُ تَدْوِينِ الْأَئِمَّةِ لِلْأَقْوَالِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا الْمُجْتَهِدُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَهُمْ قُلْت فَائِدَةُ تَدْوِينِهَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ أَوْ مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ التَّرْجِيحِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَإِنْ جَهِلَ تَسَاقُطًا إنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْأَرْجَحَ مِنْهُمَا بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَأُصُولِهِ وَإِنْ مَيَّزَهُ بِقَوَاعِدِهِ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيهَا بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي عَمَلِهِ وَقَضَائِهِ، وَفَتْوَاهُ.
وَالدَّلِيلُ لِذَلِكَ وُجُودُهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَحُمَاتِهِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ الْكِتَابِ، وَتَلَقَّاهُ مِنْهُ الشَّيْخَانِ الشَّامِخَانِ بِالْقَبُولِ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَأَمَّا أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ وَلَا تَقْيِيدٍ بِالْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَثِمَ بِلَا نِزَاعٍ وَجَهِلَ وَخَرَقَ سَبِيلَ الْإِجْمَاعِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الَّذِي حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ مُسْتَسِرٍّ إنَّ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ، وَحَكَى عَمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَى فِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِمَا يَضُرُّهُ فَلَمَّا أَعَادَهَا لَهُمْ قَالُوا لَهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَك وَأَفْتَوْهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ
قَالَ الْبَاجِيُّ وَلَوْ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَائِلُ مِثْلَ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ مَا اسْتَجَازَهُ وَلَا اسْتَجَازَهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَصِحُّ لِلْحَاكِمِ وَلَا لِلْمُفْتِي أَنْ يَرْجِعَ فِي حُكْمِهِ أَوْ فَتْوَاهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالصُّحْبَةِ أَوْ الْإِمَارَةِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إنَّمَا التَّرْجِيحُ بِالْوُجُوهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَكُلُّ مَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَقْلِيدِ قَوْلٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ أَوْ رَجَّحَ بِغَيْرِ مَعْنًى مُعْتَبَرٍ فَقَدْ خَلَعَ الرِّبْقَةَ وَاسْتَنَدَ إلَى غَيْرِ شَرْعٍ عَافَانَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ
وَقَدْ زَادَ الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ حَتَّى صَارَ الْخِلَافُ فِي الْمَسَائِلِ مَعْدُودًا مِنْ حُجَجِ الْإِبَاحَةِ وَوَقَعَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute