مَنْ لَمْ يَرْضَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّشِيدِ وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا لِلْمَوَّاقِ فِي الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَبْسِ فَبَاعَهُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعَ وَعَلَى الْبَائِعِ الْأَدَبُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ حَبْسٌ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِالْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ؟ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حَبْسٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ وَدَلِيلُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْغَلَّةُ وَالْكِرَاءُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَبْسِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشُّيُوخُ وَتَقَلَّدُوهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ إنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعُ وَكَانَ مَالِكُ أَمْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَاخِذَ الْمُبْتَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ.
وَإِنْ عَلِمَ حِينَ ابْتَاعَهُ أَنَّهُ حَبْسٌ وَقَدْ نَزَلْتُ بِقُرْطُبَةَ فَأَفْتَيْت بِذَلِكَ وَخَالَفَنِي فِي ذَلِكَ غَيْرِي، وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَنْفَذَهُ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ أَيْنَ يَأْخُذُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ حَيَاةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى مَرْجِعِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ لِابْنِ هَارُونَ تَلْخِيصٌ قَالَ الشُّيُوخُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ يَأْتِي وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ أَدَّى فِيهِ ثَمَنًا وَالثَّانِي لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا فَمَا أَدَّى فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ لَهُ بِالثَّمَنِ كَالرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، ثُمَّ يُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِحَبْسٍ فَقِيلَ الْغَلَّةُ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ فِي عَدَمِ الْبَائِعِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْأُصُولِ بِالْحَبْسِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ غَلْقَ الْغَلَّةِ فِيهَا بِالضَّمَانِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ ثَمَنًا كَالْوَارِثِ، ثُمَّ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْوِرَاثَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا اخْتَلَّ أَوْ سَكَنَ لِانْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا سَكَنَ، وَأَتَى مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ لَا مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَبْسُ إذَا اغْتَلَّهُ أَوْ سَكَنَهُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ الْمُنْفَرِدُونَ بِهِ، ثُمَّ أَتَى مَنْ يُشَارِكُهُمْ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَلَا بِالْغَلَّةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِمَا، وَهُوَ جَارٍ عَلَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالسُّكْنَى، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الِاسْتِغْلَالِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ، وَهُوَ لَمْ يُؤَدِّ ثَمَنًا، وَلَا هُوَ ضَامِنٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِثَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ يَحِلَّانِ مَحَلَّ مَنْ صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغَلَّةِ فَلَوْ كَانَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ بِكَوْنِهِ غَاصِبًا لَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّاهَا إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبْدَأُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْغَاصِبِ فَإِنْ أُعْدِمَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الَأَكْرِيَةِ الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ الْغَيْرِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقِيلَ لَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ يَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ يَزِيدُ، وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ يَبْتَاعُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْغَاصِبِ وَيَأْكُلُهُ فَإِنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي اتِّبَاعِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute