للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ تَمْثِيلٌ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ بِضَمَانِهِ فَيَتَنَزَّلُ الْمَوْهُوبُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ هَارُونَ وَقَالَ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ فَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْمُعْطِي شَرْطَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ الْإِسْقَاطِ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهُ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلٍ فِيهِمَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ فِي اسْتِرْجَاعِ هِبَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ الشَّرْطَ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَالْعَطِيَّةُ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى تُرَدَّ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الرَّدِّ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ

الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّرْطَ وَالْهِبَةَ مَاضِيَانِ فَتَكُونُ الْعَطِيَّةُ عَلَى هَذَا بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا يَبِيعُ، وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ وُرِثَتْ عَنْهُ كَمَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ

الْخَامِسُ: قَوْلُ سَحْنُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَجَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْطِي أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ أَوْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ اهـ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَرْضٍ نَحْوُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِمَدِينَةِ إسْنَا بِأَقْصَى صَعِيدِ مِصْرَ طَرَحَ النَّاسُ أَتْرِبَةً وَأَقْذَارًا فِيهَا حَتَّى صَارَتْ تَلًّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ فَأَجَرَهَا نَائِبُ الْقَاضِي تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سَنَةً لِمَنْ يَنْقُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَقْذَارِ وَيَبْنِيهَا خَانًا كُلَّ سَنَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَرْطَالِ زَيْتٍ لَا غَيْرَ، وَأَزَالَ الْمُكْتَرِي مَا فِيهَا وَأَصْلَحَهَا فَحَصَلَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا بِزَائِدٍ عَنْ تِلْكَ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تُفْسَخُ تِلْكَ الْإِجَارَةُ وَيَصِيرُ الْأَنْفَعُ لِلْوَقْفِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ تُفْسَخُ إنْ وُجِدَ حِينَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ حِينَ الْعَقْدِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بِزَائِدٍ عَمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ، وَلَا تُعْتَبَرُ الرَّغْبَةُ فِي إجَارَتِهَا بِزَائِدٍ عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ الْحَادِثَةُ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَنَقْلِ مَا فِيهَا وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ إجَارَةِ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ وَيَخْتَصُّ بِزَائِدِ غَلَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ وَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي وَقْتِهَا وَجَرَى الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُمْ إلَى الْآنَ فِي مِصْرَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْخُلُوِّ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلًا لِلْخَرَابِ فَيُكْرِيه نَاظِرُهُ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلًا يُكْرَى بِثَلَاثِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْخُلُوُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْحَانُوتِ وَلَوْ وَقَعَ الْإِيجَارُ عَلَى سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ كَتِسْعِينَ سَنَةٍ، وَلَكِنْ شَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الرِّيعُ يُعَمَّرُ بِهِ انْتَهَى.

وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ حَبَسَ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْحَاقَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهُ بِثَمَنٍ، ثُمَّ خَافَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ الْبَيْعُ لِشُهْرَةِ الْحَبْسِ فَعَقَدَ لَهُ عَلَى اكْتِرَائِهِ خَمْسِينَ عَامًا وَتَمَلَّكَهَا الْمُكْتَرِي أَعْوَامًا وَتُوُفِّيَ فَقِيمَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَظْهَرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>