للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُؤَالِكُمْ وَصَرِيحُ إشَارَتِكُمْ وَفِي مَعْنَاهُ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُ بِجَهْلِهِ مَا هُنَالِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ، وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ وَالْمُقَلِّدَ الصِّرْفَ هَلْ لَهُمَا مَذْهَبٌ أَمْ لَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُمَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ شَافِعِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ.

وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ أَنَّ لَهُ مَذْهَبًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يَنْتَسِبُ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ وَرَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَالِكِيًّا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا مُخَالِفَ إمَامِهِ وَعَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَامِّيُّ وَالْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمُزَكَّى وَبَنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَأْخُذُ رُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ أَمْ لَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّبَاعُ أَيِّ مَذْهَبٍ شَاءَ لَأَفْضَى إلَى أَنْ يَلْتَقِطَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مُتَّبِعًا هَوَاهُ مُتَخَيِّرًا بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّجْوِيزِ وَفِي ذَلِكَ انْحِلَالُ رُتْبَةِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ الْمَذَاهِبُ الْوَافِيَةُ بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ مَهَّدْت وَعَرَّفْت فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اخْتِيَارِ مَذْهَبٍ يُقَلِّدُهُ عَلَى التَّعْيِينِ قَالَ وَنَحْنُ نُمَهِّدُ لَهُ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ فِي اجْتِهَادِهِ سَهْلًا فَنَقُولُ أَوَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشَهِّي وَالْمَيْلِ لِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ آبَاءَهُ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَإِنْ كَانُوا أَعْلَمَ وَأَعْلَى دَرَجَةً مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِتَدْوِينِ الْعِلْمِ وَضَبْطِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مَذْهَبٌ مُحَرَّرٌ مُقَرَّرٌ وَإِنَّمَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ النَّاقِلِينَ لِمَذْهَبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ الْقَائِمِينَ بِتَمْهِيدِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ قَبْلَ وُقُوعِهَا النَّاهِضِينَ بِإِيضَاحِ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ اهـ.

فَإِذَا وَقَعَ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ ذَلِكَ لِلْعَامِّيِّ وَالْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ كَلِمَةُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْعَامِّيُّ أَوْ الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ أَوْ لَا فَإِنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى الْمُسْتَفْتِي عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَتَبَايَنَتْ مِنْهُمْ الْأَقْوَالُ وَلَمْ يَطَّلِعْ هَذَا الْمُقَلِّدُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ قَوْلٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ فَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهَا فَيَأْخُذُ بِالْحَظْرِ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ.

ثَانِيهَا: يَأْخُذُ بِأَخَفِّهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ.

ثَالِثُهَا: يُتَحَيَّرُ فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ أَيِّهِمْ شَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَاخْتِيَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>