وَرَثَتُهَا يَطْلُبُونَ وَرَثَةَ الْأَخِ بِالْحَظِّ الَّذِي لِمُوَرِّثَتِهِمْ وَغَلَّتِهِ فَاحْتَجَّ وَرَثَتُهُ بِسُكُوتِهَا وَسُكُوتِ وَرَثَتِهَا بَعْدَهَا الزَّمَانَ الطَّوِيلَ فَهَلْ يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا أَمْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنْ قَالَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ جَمَاهِيرَ عُلَمَائِنَا اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي السُّكُوتِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكُوتُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا وَجَعَلَهُ مَعَ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الصَّرِيحَ بِالْهِبَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِإِخْوَتِهِنَّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ فِي الْغَلَّاتِ وَأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رَأْيِهِ وَوَجْهِهِ أَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ مُبْهَمٌ يُحْتَمَلُ وَالْأَصْلُ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ لِلْأَخَوَاتِ فِي الِابْتِدَاءِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِالْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ آخِرًا وَانْتِهَاءً قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الصِّفَاتِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «سُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ وَرِضًا مِنْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ» عَلَيْهَا فَإِنْ قَصَرْنَا الْحَدِيثَ عَلَى الْبِكْرِ قُلْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْبِكْرِ بِخِلَافِهَا فِي السُّكُوتِ.
وَأَنَّ السُّكُوتَ مَقْصُورٌ عَلَى الْبِكْرِ فَالسُّكُوتُ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ الْحَيَاءُ الْمُوجِبُ لِسُكُوتِهَا لِئَلَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا رَغْبَةُ النِّكَاحِ وَإِرَادَةُ الرَّجُلِ وَسَقَطَ الدَّلِيلُ وَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَقِّ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ سَكَتَ عَنْ حَقٍّ كَانَ سُكُوتُهُ كَالْإِذْنِ الْمُصَرَّحِ انْتَهَى نَصُّهُ. يَعْنِي أَبَا عِمْرَانَ زَادَ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَقَارِ وَالْحَيَاءِ فَالْأَخَوَاتُ أَوْ وَارِثُهُنَّ بَاقُونَ عَلَى حُقُوقِهِنَّ، وَإِنْ طَالَتْ الْحِيَازَةُ، وَإِنْ عُرِفَ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُنَّ وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ، وَأَمَّا حَقُّهُنَّ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُكُوتِهِنَّ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ لِذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ الْقَائِمَةِ أَوْ مِنْ وَرَثَتِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ خِلَافٌ فَهَذِهِ وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَقْوَالٌ كُلُّهَا مَذْهَبِيَّةٌ فَمَنْ حَكَمَ بِقَوْلٍ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى صَوَابٍ يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيَمْضِي وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ يَهْجُرُهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ فَلَا تَجِدُ أَيْنَ تَبِيتُ زَائِرَةً أَوْ شَاكِيَةً ضَرَرًا لِحَقِّهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَا يَقْطَعُ سُكُوتُهَا حَقَّهَا إذَا كَانَ هَكَذَا وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي سَالِمٍ الْيَزْنَاسِيِّ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِفَاسَ جَوَابٌ بِالْغَلَّةِ لِبِنْتِ الْعَمِّ بَعْدَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَمِثْلُهُ لِلشَّيْخِ سَيِّدِي قَاسِمٍ الْعُقْبَانِيِّ وَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
قُلْت: قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي نِسَاءِ الْبَوَادِي لَا مَفْهُومَ لِنِسَاءِ الْبَوَادِي، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ كَمَا يُعْطِيهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا طَلَبْنَ حُقُوقَهُنَّ إلَخْ فَكُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ فِي بَادِيَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَقُّ بِالسُّكُوتِ. وَقَدْ نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي نَوَازِلِهِ جَوَابَ أَبِي عِمْرَانَ الْمُتَقَدِّمَ مُخْتَصَرًا أَوْ أَتْبَعَهُ بِكَلَامِ الْوَنْشَرِيسِيِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: وَبِمِثْلِ هَذَا أَفْتَى أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى السَّرَّاجُ وَقَالَ تَسْلِيمُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي مِيرَاثِهِنَّ لَا يَلْزَمُهُنَّ وَلَهُنَّ رَدُّ ذَلِكَ وَلِوَرَثَتِهِنَّ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ كُنَّ مُتَجَالَّاتٍ أَوْ صَغِيرَاتٍ لَهُنَّ أَوْلَادٌ أَمْ لَا وَمِثْلُهُ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي اسْتَمَرَّتْ بِهِ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute