اسْتَفَدْنَا مِنْ النُّصُوصِ الْمَجْلُوبَةِ فَوْقَ هَذَا أَنَّ الْفُتْيَا بِغَيْرِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ لَا تَجُوزُ فَمَا حُكْمُ الْفُتْيَا بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْ مُقَلِّدِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْأَنْدَلُسِ.
قُلْت قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فَتْحُ الْبَابِ بِالْفُتْيَا فِي إقْلِيمِنَا بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا يُسَوَّغُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ سَحْنُونٌ وَالْحَارِثُ لَمَّا وَلِيَا الْقَضَاءَ فَرَفَعَا جَمِيعَ خِلَفِ الْمُخَالِفِينَ وَمَنَعَا الْفَتْوَى بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَنْعُ وَتَأْدِيبُ الْمُفْتِي بِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي آخِرِ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَأَوَّلِ مَدَارِكِ الْقَاضِي وَاللَّفْظُ لِلْمَدَارِكِ وَفِي كِتَابِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَنْصِرِ إلَى الْفَقِيهِ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَكَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ طَالَعَ الْكِتَابَ وَنَقَّرَ عَنْ أَخْبَارِ الرِّجَالِ تَنْقِيرًا لَمْ يَبْلُغْ فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَكُلُّ مَنْ زَاغَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مِمَّنْ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ وَزُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، وَقَدْ نَظَرْت طَوِيلًا فِي أَخْبَارِ الْفُقَهَاءِ وَقَرَأْت مَا صُنِّفَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَلَمْ أَرَ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِبِ غَيْرَهُ أَسْلَمَ مِنْهُ وَأَنَّ فِيهِمْ الْجَهْمِيَّةَ وَالرَّافِضَةَ وَالْخَوَارِجَ وَالْمُرْجِئَةَ وَالشِّيعَةَ إلَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ مَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ مَذْهَبَهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ فَالِاسْتِمْسَاكُ بِهِ نَجَاةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.
وَلِغَيْرِهِ عَنْ الْخَلِيفَةِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَ مَالِكٍ بِالْفَتْوَى وَبَلَغَنَا خَبَرُهُ أَنْزَلْنَا بِهِ مِنْ النَّكَالِ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَجَعَلْنَاهُ عِبْرَةً لِغَيْرِهِ فَقَدْ اخْتَبَرْت فَوَجَدْت مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَفْضَلَ الْمَذَاهِبِ وَلَمْ أَرَ فِي أَصْحَابِهِ وَلَا فِيمَنْ تَقَلَّدَ بِمَذْهَبِهِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلْيَسْتَمْسِكْ النَّاسُ بِهَذَا وَلْيُنْهَوْا أَشَدَّ النَّهْيِ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِمَذَاهِبِ جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ اهـ. ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِالنَّصِّ لَا بِالنَّظَرِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ جَاءَ مَنْ كَذَبَ عَلَى عَالِمٍ فَكَأَنَّمَا كَذَبَ عَلَى الرَّسُولِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى الرَّسُولِ فَكَأَنَّهُ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ.
وَفِي مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ مَا نَصُّهُ " وَإِذَا رَجَعَ إلَى مُقَلِّدٍ رُجُوعَ اضْطِرَارٍ كَرَجُلٍ يَذْكُرُ الْمَسَائِلَ كَمَنْ يَحْفَظُ الْمُدَوَّنَةَ وَالْعُتْبِيَّةَ وَالْوَاضِحَةَ وَالْمَوَّازِيَّةَ وَمَا جَمَعَ مِنْهَا كَالنَّوَادِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَفْتَى مِثْلَ هَذَا فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ حَتَّى تَنْزِلَ حَسْبَمَا هِيَ فِي دِيوَانٍ مِنْهَا فَيَكْتُبُ الْجَوَابَ عَنْهَا حَاكِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانِ حَرْفٍ لَا فِي بِسَاطٍ وَلَا عُرْفٍ فَيَكُونُ كَمَنْ يُخْرِجُ الْوَصِيَّةَ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ إلَى رَجُلٍ عِنْدَ الْبَابِ فَإِذَا زَادَ أَوْ نَقَصَ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فَاتَهُ وَالِاجْتِهَادَ فَاتَهُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَسْأَلَةً بِعَيْنِهَا وَنَصِّهَا مَسْطُورَةً فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْعَقْلِ فِيهَا قِيَاسًا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ السُّطُورِ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسٍ لَا فَارِقَ لِأَنَّ الْقَاصِرَ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ فِي حَقِّ مَنْ عَرَفَ مَوَارِدَ الشَّرْعِ، وَمَصَادِرَهُ اهـ.
وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَرْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute