للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي عَدَلَ عَنْ الْمَشْهُورِ إلَى الشَّاذِّ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ لِمَظِنَّةِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الشَّاذُّ إلَّا أَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ يُدْرِكُ الرَّاجِحَ وَالْمَرْجُوحَ وَهَذَا يَعِزُّ وُجُودُهُ مَضَى حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ زُجِرَ عَنْ مُوَافَقَةِ مِثْلِ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ الْقَضَاءِ إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ فَإِنَّ الْإِمَامَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَاَلَّذِي قُدِّمَ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إنَّمَا يَرْضَوْنَ مِنْهُ الْحُكْمَ بِالْمَشْهُورِ اهـ.

قُلْت لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْحُكْمَ يُفْسَخُ إذَا حُكِمَ بِالشَّاذِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ عَرَفَةَ فَوْقَهُ.

وَفِي بَعْضِ فَتَاوَى شَيْخِنَا مَا نَصُّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُفْتٍ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا عَلِمَ الْمَشْهُورَ فِيهِ إلَّا بِالْمَشْهُورِ وَكَذَلِكَ حُكَّامُ زَمَانِنَا فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ فِي الْعِلْمِ هُنَالِكَ مَا أَفْتَيْتُ قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا كَانَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ فِي طَبَقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَتْوَى بِالْمَشْهُورِ وَلَا يَرْضَى حَمْلَ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُقَصِّرُ عَنْ تَلَامِذَتِهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الشَّاذِّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي.

وَفِي فَتَاوَى صَالِحٍ بِجَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ سَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاغِلِيسِيِّ مَا نَصُّهُ: " لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ غَيْرَ الْمَشْهُورِ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلْتَعْمَلْ عَلَى جَادَّةِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَاحْذَرْ مُخَالَفَتَهُمْ وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا أُفْتِي بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا أَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ قَلَّ الْوَرَعُ وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدِّيَانَةِ وَكَثُرَ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ وَيَتَجَاسَرُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ وَلَوْ فُتِحَ لَهُمْ بَابٌ فِي مُخَالَفَةِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ لَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ وَهُتِكَ حِجَابُ الْمَذْهَبِ وَهَذَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ الَّتِي لَا خَفَاءَ بِهَا وَهَذَا فِي زَمَانِهِ فَانْظُرْ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَنْتَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اُنْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَسْتَجِزْ هَذَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى إمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ الْفَتْوَى بِغَيْرِ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلَا بِغَيْرِ مَا عَرَفَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ مَصْلَحِيَّةٍ ضَرُورِيَّةٍ إلَى أَنْ قَلَّ الْوَرَعُ وَالدِّيَانَةُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَصِبُ لَبْثَ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى فَلَوْ فُتِحَ لَهُمْ هَذَا الْبَابُ لَانْحَلَّتْ عُرَى الْمَذْهَبِ بَلْ جَمِيعُ الْمَذَاهِبِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لِلشَّيْءِ وَجَبَ لِمِثْلِهِ وَظَهَرَ أَنَّ تِلْكَ الضَّرُورَةَ الَّتِي اُدُّعِيَتْ فِي السُّؤَالِ لَيْسَتْ بِضَرُورَةٍ اهـ.

فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُ الْمَازِرِيِّ لَمْ يُبَالِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَلَا وَقَفَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَأَفْتَى بِالشَّاذِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الدَّاوُدِيِّ عَنْ مَالِكٍ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِضَعْفِهَا وَشُذُوذِهَا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَخُرُوجِ الْإِبَّانِ وَخَالَفَ الْمَعْهُودَ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَشْهُورِ وَمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَالْجُمْهُورُ.

قُلْت لِلتَّشْدِيدِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُتَعَدِّينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ، وَهُوَ مَأْلُوفٌ فِي الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَمِنْهُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ غَيْرُ نَظِيرٍ وَقَدْ أَتَيْت فِي بَعْضِ مَا قَيَّدْت مِنْ هَذَا الْمُصَنَّفِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ فَإِنَّا قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>