الْمُطَرِّفِ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْمُطَرِّفِ بْنِ بِشْرٍ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاضْطَرَبَتْ فُتْيَاهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ حَقِيقٌ بِالنَّكِيرِ عَلَيْهِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِ.
وَفِي الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ قَالُوا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فَإِنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِصِحَّتِهَا قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي اصْطِلَاحِ الْمَغَارِبَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعِرَاقِيُّونَ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ الْمَغَارِبَةَ فِي تَعْيِينِ الْمَشْهُورِ وَيُشْهِرُونَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ عَمَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارُ تَشْهِيرِ مَا شَهَّرَهُ الْمِصْرِيُّونَ وَالْمَغَارِبَةُ.
وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ إنَّمَا يُفْتِي بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي النَّازِلَةِ فَبِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا وَإِلَّا فَبِقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.
وَفِي أَخْبَارِ أَسَدٍ مِنْ مَدَارِكِ الْقَاضِي قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهَا كَلَامُ رَجُلٍ صَالِحٍ وَرِوَايَتُهُ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَوَّنَةَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا عَنْهَا، أَفْرَغَ الرِّجَالُ فِيهَا عُقُولَهُمْ وَشَرَحُوهَا وَبَيَّنُوهَا فَمَا اعْتَكَفَ أَحَدٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَدِرَاسَتِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَمَا عَدَاهَا إلَى غَيْرِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ وَلَوْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمَدًا مَا رَأَيْتُمُونِي أَبَدًا وَفِي أَوَّلِ مُقَدِّمَاتِ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذِهِ الْمُدَوَّنَةَ تَدُورُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيِّ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ وَسَحْنُونٍ وَكُلُّهُمْ مَشْهُورٌ بِالْإِمَامَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَفِي فَصْلِ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ كَانُوا إذَا نُقِلَتْ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ مِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِيهَا عَدُوُّهُ خَطَأً فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا فِي غَيْرِهَا وَفِيهِ أَيْضًا بَيَانُ الْمَشْهُورِ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الشَّاذِّ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ، فَإِنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا إنَّمَا يَقُولُونَ فِي فَتْوَاهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا وَجَدُوهُ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ شَهِدَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِوُصُولِهِ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ أَوْ مَا قَارَبَ رُتْبَتَهُ وَمَا أَفْتَيْت قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا أُفْتِي، وَأَهْلُ قُرْطُبَةَ أَشَدُّ فِي هَذَا وَرُبَّمَا جَاوَزُوا فِيهِ الْحَدَّ.
قُلْت أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ وَرُبَّمَا جَاوَزُوا فِيهِ الْحَدَّ إلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ إنَّهُ كَانَ فِي سِجِلَّاتِ قُرْطُبَةَ لَا يُخْرَجُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وُجِدَ وَلِلْأُسْتَاذِ الطُّرْطُوشِيِّ الْفِهْرِيِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ اعْتِرَاضٌ طَوِيلٌ اسْتِقْصَاؤُهُ وَذِكْرُ مَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ إلَى الْبُعْدِ عَنْ غَرَضِ الْكِتَابِ.
وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَحْكَامِ قُضَاةِ الْعَصْرِ إلَّا مَا لَا يُخَالِفُ الْمَشْهُورَ وَمَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي بَعْضِ فَتَاوَى شَيْخِنَا وَسَيِّدِنَا أَبِي الْفَضْلِ قَاسِمٍ الْعُقْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ يُنْظَرُ فِي الْحَكَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute