الْعَامَّةِ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ.
وَفِي نَوَازِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ مَا نَصُّهُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ.
وَسُئِلَ عَنْ الْقَاضِي يُسَجِّلُ بِثُبُوتِ وَثِيقَةٍ وَيَقُولُ فِي تَسْجِيلِهِ: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي مَا فِي أَعْلَى هَذَا الْكِتَابِ أَمَّا مَا فِي بَاطِنِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ وَالْقَاضِي قَدْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُونَ كُلُّهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْقَبُولِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ يُحْمَلُ جَمِيعُهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْقَصْدِ إلَّا أَنْ يُجَرَّحَ جَمِيعُهُمْ انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْعَمَلَ بِالتَّسْجِيلِ صَاحِبُ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ:
وَإِنْ يَمُتْ مُخَاطَبٌ أَوْ عُزِلَا ... رُدَّ خِطَابُهُ سِوَى مَا سُجِّلَا
وَفِي شَرْحِ ابْنِ النَّاظِمِ لَهَا مَا نَصُّهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتُهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهَا مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ اهـ.
وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْمُنَاصِفِ قَالَ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فِيمَا ظَنَّ عَلَى صَرْفِهِمْ عَنْهُ اُنْظُرْ تَوْجِيهَهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْأَمِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَنَصَّ ابْنُ الْمُنَاصِفِ فَصْلٌ وَأَمَّا كِتَابُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ حَقٍّ أَوْ حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْضِعٍ فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَاَلَّذِي يَقُولُ إنَّ عَلَى الْقَاضِي الَّذِي يُنْهَى إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَتَعَيَّنَ الْحُكْمُ أَوْ الْحَقُّ فِيمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ وَيُنَفِّذَ مَا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ رَسْمَ الْكِتَابِ إلَى قَاضٍ بِعَيْنِهِ فِي حَقٍّ قَدْ ثَبَتَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ عُمُومِ الْحُكْمِ بِمَا تَضَمَّنَهُ، وَوُجُوبُهُ عَلَى مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ الْقُضَاةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي مَوْضِعٍ فَوُجِدَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قَدْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ وَوَلِيُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي الْمُحْدَثِ قَبُولُ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَإِنْفَاذُ مَا فِيهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ أَوْ الْحَقِّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ لِتَقَاضِي إنْفَاذِ مَا صَحَّ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَمَكُّنُ الْمُبَاشَرَةِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْحُكْمِ إنْفَاذُهُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ لَدَيْهِ وَالْقِيَامُ فِيهِ عِنْدَهُ، فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ عَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحُكَّامِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا، فَوَجَبَ تَنْفِيذُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحَّ لَدَيْهِ وَقُيِّمَ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ كَافَّةِ الْحُكَّامِ، فَكَذَلِكَ سَبِيلُ الْكِتَابِ إذَا ثَبَتَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ قَاضِيًا أَشْهَدَ عَلَى حُكْمِهِ شُهُودًا بِأَعْيَانِهِمْ فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ سِوَاهُمْ الْقِيَامُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ إذَا تَعَذَّرَ أُولَئِكَ الشُّهُودُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِالْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ الْقِيَامَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِ لَهُ ذَلِكَ مَا كَانَ سَبِيلُهُ التَّوْكِيلَ فِي الْحُقُوقِ فَلَا يَنْظُرُ فِيهَا غَيْرُ مَنْ وُكِّلَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ مَا كَانَ إلَى نَظَرِهِ وَلَيْسَ سَبِيلُ مَا أَوْجَبَتْهُ الْأَحْكَامُ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى.
وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَكْتُوبُ لَهُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَنْ أُقِيمَ مَقَامَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ إنَّمَا كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ بِمَا الْتَزَمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ عَلَى الْخَطِّ إلَى تَفْصِيلٍ وَتَبْيِينٍ.
فَأَمَّا إنْ ثَبَتَ كِتَابُ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ كَاتِبُهُ وَهُوَ عَلَى وِلَايَتِهِ فَالْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute