فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ إشْهَادَ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ عَلَى كِتَابِهِ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حُكْمٍ نَفَّذَهُ أَوْ حَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَالْقَضَاءُ بِهِ وَاجِبٌ وَإِنْفَاذُهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قِيمَ بِهِ عِنْدَهُ مِنْ الْحُكَّامِ، وَسَوَاءٌ مَاتَ الْكَاتِبُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ عُزِلَ لَا كَلَامَ فِي هَذَا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَازُوهُ وَأَطْلَقُوهُ لَا عَلَى مَا عَهِدَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ تَرْكِ الْإِشْهَادِ وَالِاجْتِزَاءِ بِدَلِيلِ الْخَطِّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيَجُرُّوهُ عَلَى قَدَمِنَا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ فِي ثُبُوتِ الْكِتَابِ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ دُونَ إشْهَادِ الْكَاتِبِ بِذَلِكَ عَلَى كِتَابِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ تِلْكَ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ وَثُبُوتِهِ عِنْدَ مَنْ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَالْعِلَّةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ أَنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْخَطِّ إذْ ثَبَتَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ قَوْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ، وَهَذَا إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا دَامَ وَالِيًا فَإِذَا عُزِلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عَلَى حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ إشْهَادٌ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَيَجُوزُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ كِتَابَتِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتُهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُنْجِزْهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.
وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ شَاهِدًا، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمَرَهُمْ الْقَاضِي الْمُحْدَثُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَكُلُّ حُكْمٍ يَدَّعِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ بِهِ.
وَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ رَجُلٌ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ اثْنَانِ سِوَاهُ فَالتُّهْمَةُ كَمَا تَرَى مَعَ ذَلِكَ قَائِمَةٌ يُرَاعُونَهَا كَذَلِكَ الْأَمْرُ إذَا مَاتَ أَيْضًا لِأَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ وَالْمَعْزُولِ وَاحِدٌ فِي زَوَالِ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَسُقُوطِ سُلْطَانِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَلَقَّى فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَاكِمِ مُخْتَصٌّ بِحِينِ مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَلِذَلِكَ انْفَرَدَ بِهِ الْوُلَاةُ وَالْحُكَّامُ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ الَّذِي لَا يَصِحُّ وَيُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْوِلَايَةِ فَإِنْ انْخَرَمَتْ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ اخْتَلَّ ذَلِكَ وَبَطَلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ مِنْهُ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَاسْتِمْرَارُهُ مَنْعَ قِيَامِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ فِي قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ مَاتُوا أَوْ عُزِلُوا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَفَهِمُوا ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَا عَهِدُوهُ وَوَقَعَ التَّسَاهُلُ فِيهِ مِنْ تَرْكِ إشْهَادِ الْقُضَاةِ عَلَى كُتُبِهِمْ وَالِاجْتِزَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا جَوَازُ ذَلِكَ فَاسْتَثْنَوْا مَعَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ إلَى دَرْكِ الزَّلَلِ وَالتَّخْوِيفِ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ وَفَسَادُهُ وَاضِحُ الظُّهُورِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَبِهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ ضَاعَتْ لَهُ أَتَانُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ آخَرَ فَرَفَعَهُ لَدَى وَكِيلِ الْقَاضِي وَعَرَّفَهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ وَأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْهُ وَوَجَدَهَا عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ فَسَأَلَ الْوَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute