رَأْيِهِ وَرِوَايَتِهِ كَمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الثِّقَةُ الْعَدْلُ الضَّابِطُ الْمُحَقِّقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. لِأَنَّا نَقُولُ ابْنُ حَزْمٍ وَأَبُو عُمَرَ قَدْ حَكَيَا الْإِجْمَاعَ وَمُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ وَعِزُّ الدِّينِ لَمْ يُبَيِّنْ بِفَتْوَاهُ الْمُسْتَنَدَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا رَآهُ فَتَفَرَّدَ بِهِ أَوْ لَازِمَ قَوْلٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ إحْدَاثُ قَوْلٍ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا لِتَضَمُّنِهِ تَخْطِئَةَ الْأُمَّةِ وَتَخْطِئَتُهَا مُمْتَنِعَةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَسَوَاءٌ قُلْنَا انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ أَمْ لَا. لَا يُقَالُ إجْمَاعَاتُ أَبِي عُمَرَ مَدْخُولَةٌ وَقَدْ حَذَّرَ النَّاصِحُونَ مِنْهَا وَمِنْ اتِّفَاقَاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَاحْتِمَالَاتِ الْبَاجِيِّ وَاخْتِلَافِ اللَّخْمِيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ غَايَةُ هَذَا نِسْبَةُ الْوَهْمِ إلَى أَبِي عُمَرَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَإِنْ سَلِمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَلَةِ فَمَا الَّذِي جَرَّحَ إجْمَاعَ ابْنِ حَزْمٍ لَا سِيَّمَا وَالشُّيُوخُ يَقُولُونَ أَصَحُّ الْإِجْمَاعَاتِ إجْمَاعَاتِهِ لَا يُقَالُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَوْعَبِ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ الْحَافِظِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْأَفْضَلِيَّةَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا إجْمَاعُ ابْنِ حَزْمٍ هَذَا فَأَيْنَ أَنْتَ مِمَّا نَقَلْت عَنْ الْأَشْيَاخِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا أَثْبَتَ ابْنُ عَرَفَةَ لِإِجْمَاعِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَزِيَّةَ الْإِيعَابِ وَالِاسْتِقْصَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَزِيَّةِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْإِجْمَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حُصُولُهَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى تَنْدَرِجَ الْأُضْحِيَّةُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَيْضًا فَابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا قَالَ مِنْ أَوْعَبِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَوْعَبُهَا نَعَمْ لَوْ نَقَلَ عِزُّ الدِّينِ مَا بِهِ أَفْتَى رِوَايَةً عَنْ مُتَقَدِّمٍ لَصَحَّ نَقْضُ الْإِجْمَاعِ وَخَرْقُهُ بِهَا لِأَنَّهُ ثِقَةٌ ضَابِطٌ رَاسِخُ الْقَدَمِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - أَنَّ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ تَتَبُّعُ رُخَصِ كُلِّ الْمَذَاهِبِ لَا الْوَاحِدِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا فَرْقَ إلَّا أَنَّ مَا عَلَّلُوا بِهِ الْمَنْعَ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ التَّكْلِيفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إنَّمَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ تَكُونُ مَمْنُوعَةً فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ بِاتِّفَاقٍ وَجَائِزَةً فِي غَيْرِهِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ بِاخْتِلَافٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا تَتَبُّعَ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ لَأَفْضَى إلَى لِمَا قَالُوهُ لِأَنَّ مَا تَتَّفِقُ فِيهِ الْمَذَاهِبُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا كَذَلِكَ تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ الْأَوَّلِ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُقَلِّدَ إمَّا أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ الْأَشَدِّ وَالْأَخَفِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ يَطَّلِعَ فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ فَالْحُكْمُ مَا مَرَّ مِنْ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّرْجِيحِ بِالْأَعْلَمِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ بِالْأَشَدِّ وَالْأَثْقَلِ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الْأَخَفِّ أَوْ فِي جَانِبِ الْأَثْقَلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي جَانِبِ الْأَشَدِّ وَالْأَثْقَلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ إلَّا لِعَارِضٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا خِلَافًا لِعِزِّ الدِّينِ وَإِنْ كَانَتْ فِي جَانِبِ الْأَخَفِّ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْأَوْلَى ارْتِكَابُ الْأَشَدِّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْرَأُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرُّجْحَانُ وَتَفَاضَلَ الْمُرَجَّحُونَ أَوْ تَكَافَئُوا فَعَلَى مَا مَرَّ هُنَالِكَ وَهُنَا.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute