لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ قِيلَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ لَمْ يَجِئْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَمْضِي فِي الِاتِّبَاعِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَيْضًا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ وَتَصِيرُ صَغِيرَتُهُ كَبِيرَةً مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ جَارِيَةً فِي الْعَادَةِ عَلَى مَجْرَى الِاقْتِدَاءِ فَإِذَا حُمِلَتْ زَلَّتُهُ عَنْهُ قَوْلًا كَانَتْ أَوْ فِعْلًا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ مَنَارٍ يُهْتَدَى بِهِ فَإِنْ عُلِمَ كَوْنُ زَلَّتِهِ صَغِيرَةً فِي أَعْيُنِ النَّاسِ وَجَسَرَ عَلَيْهَا النَّاسُ تَأَسِّيًا بِهِ وَتَوَهَّمُوا فِيهِ رُخْصَةً عَلِمَ هُوَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمُوهَا هُمْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ وَإِنْ جُهِلَ كَوْنُهُ زَلَّةً فَأَحْرَى أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ مَحْمَلُ الْمَشْرُوعِ وَذَلِكَ كُلُّهُ رَاجِعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ قَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ وَهَوًى مُتَّبَعٍ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ اهـ.
قُلْت وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَسَاهَلَ وَيَتَمَاسَكَ بِالشَّبَهِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضَرَّهُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. قَالَ أَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي فَاحْتَسَبَ فِي تَلَطُّفِهِ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّهُ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيُخَلِّصَ بِهِ الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ اهـ.
قُلْت وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِثْلُ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَخَافَ الْحِنْثَ فِي زَوْجَتِهِ بِالثَّلَاثِ فَلِلْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ لَهُ خَالِعْهَا قَبْلُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُكَ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَك مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مِنْ التَّرْخِيصِ وَالْحِيَلِ الَّتِي لَمْ تُخَالِفْ قَانُونَ الشَّرْعِ وَقَاعِدَتَهُ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْبَغِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَخْفِيفٌ أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصَّ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَرُّبِ لِلْخَلْقِ دُونَ الْخَالِقِ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ اهـ.
لَا يُقَالُ الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَيْته عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَأَبِي عُمَرَ يُنْتَقَضُ وَيُرَدُّ بِقَوْلِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ وَلِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِرُخَصِ الْمَذَاهِبِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ جَهْلٌ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالرُّخَصِ مَحْبُوبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] فَإِنْ قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَكُلُّ الرُّخَصِ صَوَابٌ وَلَا يَجُوزُ إنْكَارٌ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ فَالصَّوَابُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْعَزِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ تَوَرُّعًا وَاحْتِيَاطًا وَاجْتِنَابًا لِمَظَانِّ الرِّيَبِ اهـ لَا سِيَّمَا وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَذَا مِمَّنْ لَا يَتَقَرَّرُ اتِّفَاقٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute