للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُزَنِيِّ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّمَا كَانَ اجْتِهَادًا مُنْتَسِبًا لِمَذْهَبٍ.

وَقَوْلُهُمْ إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِنْ الْخَطَأِ إنْ أَرَادُوا أَنَّهَا تَتَّفِقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَرْكِ جَمِيعِهَا فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهَادَتِهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَطَأِ وَتَضْلِيلٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَرَادُوا فِي بَعْضِهَا مُعِينًا فَلْيُنْهَ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ لَا عَنْ الْجَمِيعِ بَلْ الْوَاجِبُ بَيَانُهُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ مُعِينٍ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْحَقُّ وَاحِدٌ قُلْنَا هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَفْرُوغٌ مِنْهَا فِي الْأُصُولِ وَمَنْ قَالَ الْحَقُّ وَاحِدٌ لَمْ يُنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ إذْ الْخَطَأُ غَيْرُ الْمُعِينِ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ.

وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّعْرَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ صَحِيحَةً دَائِرَةً عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَهُوَ كَلَامٌ مُنَوِّرٌ لِلْبَصَائِرِ وَمُزِيلٌ لِرَيْنِ الضَّمَائِرِ جَزَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ بِمَنِّهِ وَقَوْلُهُمْ فِيهَا أَحْكَامٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ لَا تَقْدَحُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَلَا تُوجِبُ تَرْكَهَا لِابْتِنَاءِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَثْبَتَ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَأَشَدُّ النَّاسِ تَمَسُّكًا بِهَا وَوُقُوفًا عِنْدَ حُدُودِهَا فَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى نَسْخِهِ وَرُجُوعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا عَمِلُوا بِهِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ النَّخَعِيِّ لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَهَلْ يَفْهَمُ أَحَدٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَأَحَادِيثِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَاشَا وَكَلَّا.

قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فِي هَذِهِ الْقُرُونِ وَكَيْفَ خَصَّهُمْ بِالْفَضِيلَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْقُرُونِ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْبَرَكَةُ وَالْخَيْرُ لَكِنْ اخْتَصَّتْ تِلْكَ الْقُرُونُ بِمَزِيَّةٍ لَا يُوَازِيهِمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّهُمْ لِإِقَامَةِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ فَالْقَرْنُ الْأَوَّلُ خَصَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخُصُوصِيَّةٍ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْحَقَ غُبَارَ أَحَدِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَمَلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ خَصَّهُمْ بِرُؤْيَةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُشَاهَدَتِهِ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ غَضًّا طَرِيًّا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يَتَلَقَّاهُ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَخَصَّهُمْ بِالْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّهِ وَنُصْرَتِهِ وَحِمَايَتِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَإِخْمَادِهِ وَرَفْعِ مَنَارِ الْإِسْلَامِ وَأَعْلَامِهِ وَحَفَّظَهُمْ آيَ الْقُرْآنِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ نُجُومًا فَأَهَّلَهُمْ اللَّهُ لِحِفْظِهِ حَتَّى لَمْ يَضِعْ مِنْهُ وَلَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَجَمَعُوهُ وَيَسَّرُوهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَفَتَحُوا الْبِلَادَ وَالْأَقَالِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَهَّدُوا لَهُمْ وَحَفِظُوا أَحَادِيثَ نَبِيِّهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صُدُورِهِمْ وَأَثْبَتُوهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ عَدَمِ اللَّحْنِ وَالْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>