للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضرَّته، لكن قد يكونُ ذلك الرجاء مبنيًّا على اعتقادٍ باطل، إما في نفس المقصود فلا يكونُ نافعًا ولا ضارًّا، وإما في الوسيلة فلا تكونُ طريقًا إليه, وهذا جهل.

وقد يعلمُ أن هذا الشيء يضرُّه ويفعلُه، ويعلمُ أنه ينفعُه ويتركُه؛ لأن ذلك العلمَ عارَض ما في نفسه من طلب لذةٍ أخرى أو دفع ألمٍ آخر، فيكونُ جاهلًا ظالمًا حيث قدَّم هذا على ذاك.

ولهذا قال أبو العالية: «سألتُ أصحابَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: ١٧] , فقالوا: كلُّ من عصى الله فهو جاهل، وكلُّ من تاب قبل الموت فقد تاب مِن قريبٍ» (١).

وإذا كان الإنسانُ لا يتحرَّك إلا لرجاءٍ (٢) , وإن كان راهبًا خائفًا لم يسعَ في النجاة ولم يهرب من الخوف (٣)، فالرجاءُ لا يكونُ إلا بما يُلْقَى في نفسه من الإيعاد بالخير الذي هو طلبُ المحبوب وفواتُ المكروه.

فكلُّ بني آدم له اعتقادٌ فيه تصديقٌ بشيءٍ وتكذيبٌ بشيء, وله قصدٌ وإرادةٌ لما يرجوه مما هو عنده محبوبٌ ممكنُ الوصول إليه، أو وجود


(١) أخرج شطره الأول ابن جرير (٦/ ٥٠٧) وابن المنذر (١٤٨٠).
(٢) (ف): «إلا راجيا».
(٣) (ط, ف): «لم يسع [إلا] في النجاة ولم يهرب [إلا] من الخوف». ولعل المصنف يريد الخوف المجرَّد من الرجاء في النجاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>